مأساة إيزيدية تركيا قبل قرن في مذكرات (ميرازي)
إعداد وترجمة: الباحث/ داود مراد ختاري
الحلقة (16)
أيضا في المدرسة
في اليوم التالي كنت في المدرسة مع الأولاد جالسا في الصف، المعلم كان يعطينا الدرس، مصطفى كان يشاغب، كنا لا نعلم أنتعلم الدروس أم نضحك على مصطفى المشاغب ؟، المعلم لم يكن يحس بضحكنا المكتوم، لأننا كنا نعرف بأن من يضحك في وقت الدرس، ستناله الفلقة، وفي ذلك اليوم أيضا أنهينا الدرس، في النهاية سمعنا صوت جرس الآذن، حيث كنا بانتظاره منذ مدة.
كانت هناك قاعدة متبعة في المدرسة: حين الخروج من المدرسة، يجب أن نخرج أربعة – أربعة معا، المعلمان الاثنان كانا يسيران في الخلف، وثلاثة طلاب كان يجب أن يرددوا الأغاني حتى وسط المدينة، وهناك كان الجمع يتفرق وكل شخص يذهب إلى بيته، كنت أنا من بين الثلاثة الذين غنوا في الطريق، الثلاثة كان أسماءهم أحمد.
أحمد علي إدارة، وأحمد أخ موسا أفندي بروكي أخ مصطفى النحس.
كنا حينها في الدرس عندما جاء البواب يوما وقال:
– حضرة الأستاذ، هناك امرأة تنتظر في الخارج، تريد أن تأتي إلى الصف.
وقد آذن لها الأستاذ بالدخول، فدخلت المرأة ذات الخمسين ربيعا، كانت قصيرة، ملابسها جديدة، ونظيفة للغاية، سلمت على الأستاذ، ورد الأستاذ على تحيتها وسألها:
– قولي، ماذا تحتاجين؟
– حضرة الأستاذ، يلزمني، – قالت المرأة – لا شيء، فقط لدي رجاء منك، أن ترسل معي طالبا إلى البيت، كيف أقول لك، يعني أن يستطيع الكتابة، كي يكتب رسالة إلى إبراهيم ولدي في العسكرية.
– قال الأستاذ : حسنا، – وألتفت إلى الطلاب. – ثلاثة، أربعة أشخاص رفعوا أيديهم للتطوع في هذه المهمة. لكن الأستاذ لم يختر أحد منهم، بعدها نظر إلي وقال:
– أحمد أفندي، قالق كيت (يعني قم وأذهب باللغة التركية)، وقد قمت وذهبت مع العمة.
تربة (ديادين) تربة قاسية كالصخر، من طابوقه كانت تبنى البيوت، وكان يقاوم أكثر من الصخر نفسه. والذي لم يكن يستطيع بناء البيوت، كان يحفر الأرض، وبجانبه كان يعمل حضائر للبقر والعجول، وكان يفتح باب الحضيرة على البيت، وكومين او ثلاثة أكوام من الحجارة تحاصر مكان البيت أوعدة طبقات من الطابوق، والبيت كان يصبح سردابا يعيشون فيه، ومرات كانوا يمدحون تلك السراديب بقولهم “سرداب الشخص الفلاني ممتاز” بيت العمة أيضا كان أحد تلك السراديب.
نزلنا ثلاث درجات، ودخلنا تحت، فتحت الباب الصغير أمامنا، كانت الغرفة نظيفة ومرتبة. أثاث البيت كان قليلا:- بعض العفش كانت مكومة في الزاوية، وقدر صغير مغلق، أعتقد بأنه كان لحليب البقرة، وثلاثة أحجار كانت بجانب الحائط، عليها بعض الأخشاب، والأغراض الخفيفة مرتبة عليها.
وحصيرة ممدة للبقرة الصغيرة كي تربض عليها، وتنور صغير في الزاوية، كانت فقط تسع القدمين. كان هناك ثقب في سقف الغرفة، لغرض إضاءة الغرفة وأيضا حين تشعل الموقد يخرج من الثقب الدخان. باب التنور والثقب كانا بنفس القياس. وكان هناك باب صغير في الغرفة، يبدو أنه مكان نومها، مكان البقرة وعجلها، لم يكن فيه باب.
سألت:-
– يا عمة (أمي -ئةمىَ)، ألا تأخذِ البقرة هذه الأكوام إلى الداخل؟
– كثيرا ما تفعل- قالت العمة أمي – في اليوم الأول عندما أتيت بها، لم تكن ترضَ الدخول إلى الداخل، كانت خائفة فهي حيوان وليست صاحبة ذنب في هذا، الآن أباءنا وأجدادنا أنا وهي كنا قادرين على المجيء والذهاب من على الدرج.
– ونظرت الي بابتسامة العجائز الجميلة والودودة وضحكت – كنت محتارة ماذا أفعل؟ وقد ربطت البقرة في الخارج تلك الليلة، ولم أنم أيضا حتى الصباح، وبسبب حكومتنا هذه، فبلادنا مليئة بالذئاب واللصوص.
لقد أمضيت تلك الليلة على كل حال، ولم أكن قادراً على الجلوس عندها طوال ليلة أخرى، في الصباح لم أرسل بقَرََتي مع القطيع، وقد غطيتها بستارة أخرى، وقلت “كي لا تقطع ستارها”. وقد أبقيتها حتى المساء جائعة في الجحيم، واليوم تعطي كمية أقل من الحليب أيضا. وذهبت وجلبت بعض العشب، في المساء وضعت العشب عند الباب وحلت البقرة من مربطها وأتيت بها بالقرب من الباب، وعندما رأت العشب، وحينها نزلت الدرج (الدرج المبني من الطين، لم يكن مبنيا من الحجارة) نزلت وجاءت إلى العشب، وكأن أبائها وأجدادها ماتوا على هذا الدرج – العمة أيضا نظرت اليٌٌ وضحكت. بضحكتها النابعة من القلب كانت تريد أن تسعدني.
العمة ذهبت وجلبت معها علبة ورق جديدة، ورق من الصوف، وفي زوايا تلك الأوراق كانت ماركة المصنع ظاهرة عليها، وأنا جهزت الورق والقلم وانتظرت العمة أمي.
– أكتب يا بني، أكتب، أكتب لأخوك رسالة، أنا بخير وسالمة، ولا يقلق بشأني، والبقرة أيضا بخير وسالمة كذلك، في اليوم تدر لنا أربع أواني حليب، أبيع أثنين منها للفقهاء، وأثنين أعمل منها (شلة شوربة)، وأتدبر أمري بها، ومرات أعطي إناء واحد لأولاد أختك كارى، فهم جياع.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية