أكتوبر 24, 2025

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

مجزرة كوجو ….(33)

مجزرة كوجو ….(33)خلف خديدة
الباحث/ داود مراد ختاري
كم بقى من المسافة كي نصل الى الجبل ؟
هذه العبارة يرددوها جميع الهاربين من أيدي الدواعش والمتجهين نحو جبل شنكال الأشم بعد قطع مسافة من الطريق، لكون الجبل هو المراد للوصول اليه والتخلص من الكابوس، الجبل بالنسبة لهؤلاء هو بين الحياة والموت، لذا تردد هذه العبارة لعشرات المرات بل في بعض الاحيان الى مئات المرات، وتكمل فرحتهم حينما تصل أقدامهم الى تراب الجبل.
تحدث الناجي من المجزرة (خلف  خديدة خلف 1983 ):
كنت ضمن الوجبة الثالثة التي أخرجونا من مدرسة كوجو يوم 15-8-2014
صعدنا بسيارة نوع (فاون) وخرج معنا من المدرسة (احمد جاسو) فلم يبقى له مكان في السيارة  لاننا توقعنا بايصالنا الى الجبل فالشباب يتزاحمون بالصعود الى السيارات، فقال: ماذا جرى لكم تتزاحمون هل جاء فرمان كي تتخلصون منه؟
حينما وصلنا الى موقع المجزرة رأينا بان مجموعة من شبابنا متواجدون هناك محاطين بالمسلحين الدواعش، قال أحد منا منادياً: الدولة الاسلامية باقية، فرد عليه أحد الدواعش: لا تنفعك هذه الشعارات، أمرنا بالنزول الى الحفرة ، وتم تصويرنا ، ورمى علينا (15) شخصاً، وبعد الانتهاء جاء اثنان منهم الى الحفرة وقال أحدهم للأخر: ابو الفانيلا الاحمر يتحرك… ابو القميص ابيض يتنفس…. الخ فالمسلح الثاني يرمي علينا كي يقتل الجميع، أصبت بعدة عيارات نارية، بعد خروجهم جاء آخر ورمى علينا (صلية رشاشة – 30 اطلاقة) واصبت بها أيضاً، نواف مراد أخذ من يدي لم اتعرف عليه نتيجة الدماء على وجهه فقلت له من أنت ؟ طلبت منه أن نخرج من الحوض (حفرة كبيرة) لكنه خاف وقال: قد يتواجدون بالقرب منا.
نواف مراد لم يصيب باذى خرج واتجه نحو جهة معينة ، بقيت لم استطع لكوني مصاب بعدة عيارات ولم تمر دقائق رأيت بان مجموعة من شبابنا يهربون وعرفت منهم شقيق نواف فأنهضت وركضت معهم، رمى علينا الدواعش بالعيارات النارية ، كان أمامنا تل ترابي ، الغير المصابين عبروا التل بسهولة، فأنا حاولت لم استطع فنزلت الى التحت وتمددت، والمسلحين تعاقبوا  الناجين من المجزرة ولم يعثروا علي ، ثم جاء منيف خدر حاوج قد نجى من المجزرة أيضاً وكان مصاباً بساقه فقلت له : تعال وتمدد بجانبي، وبعدها طلبت منه ان نصل الى الساتر الترابي المحاط بالقرية ولكون عظام ساقه انكسرت الى نصفين لم يستطع أن يمشي ، حاولت معه والساتر لم يكن بعيداً عنا، طلب مني الذهاب وانه سيبقى ، حينما وصلت الى خلف الساتر وبالزحف اتجهت نحو مزرعة بشار سلو  واختبأت بين أشجار الزيتون لمدة ساعتين، ولاحظت بان سيارة للدواعش تتجول في منطقة التل وسمعت صوت العيارات النارية هناك، فتأسفت على مصير زميلي، وخلال تواجدي سمعت مرتين أصوات العيارات النارية، ورأيت الشفل تدفن شهداء المجزرة.
كان الجو حاراً في المزرعة هلكت من العطش وجروحي تنزف دماً ، دخلت غرفة مضخات  الماء (ماطورات) عبر نافذة لان الباب مقفل وشربت الماء عصراً وحينها فقدت الوعي لمدة نصف ساعة وبعد ان أحسست بنفسي رأيت بان بركة دم تحتي نتيجة النزيف فبحثت عن اية قطعة للقماش كي أضمد جروحي فنزعت جواريبي مع وصلة قماش وبهم قطعت النزيف عن الجروح، لم تمر ساعة جاءوا الدواعش وشغلوا برج الهاتف النقال داخل المزرعة، أختبأت خلف الثلاجة الموجودة في غرفة المضخات، ولكون الباب مقفل لم يدخلوا الى الغرفة وكان خوفي أن ينظرون الى الغرفة من خلال النافذة ويرون الدماء في داخلها، لكنهم بعد أن أكملوا التشغيل غادروا المزرعة وكنت أسمع حديثهم، وفي المغرب حملت قنينة بلاستيكية بالماء وخرجت متجهاً نحو الجبل وعند مروري بمحاذات مزرعة نايف جاسو رأيت جثة يبدو انه احد الناجين من المجزرة وكان مصاباً فتوفي في الطريق، حينما تقربت منه ناديت عليه لكنه لم يرد فرفعت يده كان ميتاً ولكون وجهه مدمياً وملطخاً بالتراب والليل حالك في الظلام وأنا أتألم وجعاً لم أتعرف عليه، سرت وعند مزرعة في تل قصب تألمت وجعاً جلست لفترة ووضعت قطعة من القماش كالفتيل في جرحي ليتوقف النزيف (هذا ما تعلمته في الخدمة العسكرية) وبعد مسافة رأيت مجموعة من الأشخاص في منطقة همدان حاولت الابتعاد عنهم أعتقدت انهم دورية للدواعش وتابعتهم، وبعد مسافة أخرى أصغيت الى حديثهم وهم لا يشاهدوني سمعت منهم يقولون باللغة الكردية ولهجة شنكال (كم بقى من المسافة كي نصل الى الجبل) وكنت أسير خلفهم ، فنادبت عليهم (من أنتم؟) خافوا مني وجلسوا على الأرض وكانوا كل من (رافد عمو – الياس المضمد – خدر حسن أحمد ) هؤلاء أيضاً نجوا من المجزرة، وفرحوا بعد أن تأكدوا من هويتي ، استفسروا مني عن كيفية التخلص من المجزرة، وكانوا هالكين من العطش، فكنت أحمل قنينة ماء (5 لتر) فقالوا: لقد بعثك الله لنا كي تروينا من العطش.
وذهبنا بين برج آسيا والقرية (همدان) تبعد (40) كلم شمال كوجو، وكان للدواعش نقطة حراسة في اعلى (قنى ) والبرج أيضاً وسرنا بين النقطتين وحينما وصلنا القراج ركضنا الى بئر المهركان لكن لسوء الحظ لم يكن فيها قطرة ماء، وسرنا مسافة عثرنا على سيارة قلاب فشربت من ماء (الراديتر) وبعد دقائق تقيأت لوجود الصدء في الماء، ثم مشينا مسافة أخرى الى ان وصلنا الى بئر آخر بالقرب من مزار آمادين ، طلبنا من زملاءنا بالنزول اليه لكنهم رفضوا فلم يكن أمامي الا بالنزول بالرغم من إصاباتي البليغة وكان البئر بعمق (7) أمتار وبيدي القنينة البلاستيكية (دبية خمس لترات) ارتويت وأنا في أسفل البئر وحملت اليهم الماء وصعدت نحو الأعلى وعندما اتدرج عبر الاحجار ينزف جروحي دماً وتتساقط الدم الى أسفل البئر، وسابقاً نزلت الى هذا البئر لمرات عديدة   كنت هناك أرعى الاغنام لمدة ثلاث سنوات ولي أطلاع على المناطق في الجبل شبراً شبراً.
حينما وصلنا الى (كلي مهركان) استقبلتنا العوائل المتواجدة وبدلوا ملابسنا، حضروا لنا الفطور فرأيت عجوزاً يدخن ببعد مسافة عنا فتركت الفطور وذهبت اليه وطلبت منه بلف سيكارة لي فلم استطع الجلوس فتمددت على بطني، استغرب مني، فقلت له: أنا مصاب بظهري وقدماي يا عماه، دخنت سيكارتين، بقينا الى عصر اليوم، اردنا المبيت عندهم، لكن زميلنا الياس المضمد أصر على تسلق الجبل وهو يجهل الطرق المؤدية الى القمة، لذا أجبرت ان ارافقه، وبقى رافد هناك.
سرنا وتسلقنا الجبل وبعد مسافة كان أمامنا منحدر جبلي صعب التسلق به ليلاً، لكن لابد من اجتيازه، فهلكت تعباً ووقعت على الأرض وتجفف الدم في جروحي وأزرق جسمي وكان ذلك في العاشرة ليلاً، بقيت متمدداً الى الساعة الثانية بعد منتصف الليل، فسرت ببطء حتى وصلنا الى نقطة للحماية في الجبل في الساعة الثامنة صباحاً، حولونا الى مفرزة طبية ، طلب الطبيب بإرسالنا الى مستشفى ديرك في سوريا لكون اصابتي خطرة، رقدنا ليلة في المستشفى ثم اتجهنا الى دهوك.  

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi