قصص من كارثة شنكال ….. (66)
الباحث / داود مراد ختاري
الكريف الخائن
تحدث الينا السيد ساير حجي الهسكاني مواليد 1955 عن اليوم الأول لكارثة شنكال قائلاً:
كنت أعمل مصلحاً للسيارات (فيتر) في منطقة تل بنات، ومؤخراً اشتريت بيتاً بالقرب من نقطة عسكرية لقوات البيشمركة، حصلت المعارك في الصباح الباكر من يوم 3-8-2014، وكانت الساعة السادسة صباحاً، واستمرت المقاومة حتى التاسعة صباحاً ثم انسحبت قوات الحماية من المنطقة ومن ضمنها تلك النقطة الا ان الشهادة أمانة لذا أذكر ان عنصرين منهم بقوا في تلك النقطة وأحدهما ضابطاً برتبة رائد اسمه (دلدار) وسائقه ، كنت لا أزال في بيتي ، اتصلت بجاري وأخبرته بان رجال الأمن قد انسحبوا ولم يتبقَ في النقطة غير الرائد وسائقه فأخبرني بأن لا أخاف لأنهم سوف يعودون، بعدها لاحظت وصول سيارات الدواعش وسيطرتهم على النقطة وبعدها أتت سيارة الرائد دلدار وأشار بيده للهرب ووقف بعدها لكي نهرب معه وعندها بدأ الدواعش يطلقون النار بإتجاهنا فقام الضابط بإخفاء السيارة سريعاً خلف سيارتي التي كانت قرب الباب (وهي سيارة كبيرة لنقل الماء ) فأسرعت وأخرجت سيارتي وانطلقت خلف سيارة ضابط البيشمركة لأرى أن أهل القرية كلها قد خرجت بسياراتهم هرباً وتفاجئنا بمجموعة من العرب (من عشيرة المتيوت) وهم يقومون بإغلاق الطرق بسواتر ترابية بألياتهم (قلابات وشفلات) وهم أولاد (عائد المتيوتي) وأحدهم اسمه (ثابت) وهم من قرية (خيلو) وكانت علاقتنا معهم طيبة قبل ذلك وقائمة على الاحترام المتبادل وكان منا (كريف لأولادهم) وأوقفوا سياراتهم وبدءوا يطلقون النار علينا ، فأصابوا إمرأة (نوفا كندو حسن) هي زوجة (حسن علي عمر علو) كانت بين أهل بيتي مع زوجة ابني برصاصة في كتفها الأيمن واصابوا (رشو تعلا) ورأيناه يسقط ولم نتأكد من مدى خطورة إصابته، واصلنا الهرب الا أن صعدنا الى تلة قرب الجبل وكان عددنا كبيراً جداً حيث لم يكن الماء يكفينا لأن عددنا يقدر بالآلاف ونشعر بالجوع أيضاً ولم نكن قد جلبنا الطعام والشراب معنا لذا قررنا أن ينزل الرجال لتقصي الأخبار وجلب المؤونة وتركنا النساء والأطفال على الجبل ، وذهبنا الى خيمة للمختار (عزو صالح قاسم) قرب قرية (زيريلية) وسألناه عن الوضع فقال: إن للدواعش مطلبان وهما ان نسلم السلاح ونعتنق الاسلام ، فوافق من كان يجلس هناك على ذلك ولكني غضبت وخرجت من هناك الى قرية زيريلية وإذا بها قد خلت من سكانها إلا ابن عمٍ لي وهو (درويش نواف) فسألني ماذا تريد ؟ لنهرب فداعش قادم الينا ، في هذه الاثناء جاءت أربع فتيات وحالتهن يرثى لها فقال لي ابن عمي خذهن معك فأخبرتني إحداهن وهي الوحيدة القادرة على الكلام لان الباقيات هلكن من العطش والتعب والخوف وقالت : يا عم نحن دخيلات عليك، فطلبت منهن الصعود الى السيارة، كنت أحمل قناني بلاستيكية للماء سعة (5) لتر، شربنّ الماء، فلم يكتملن شربهن حتى صرخت إحداهن يا عم ها هم الدواعش قد جاءوا وسيلقون القبض علينا، أسرعت بالسيارة بالسرعة الفائقة وصعد معي ابن عمي أيضاً وأطلقوا علينا العيارات النارية وكانت سياراتهم حديثة ومزودة بالرباعيات وبمجموعة من المسلحين، كانت هناك طريق بين القرية والمقبرة، قطعها الدواعش، فحاولت أن أخرج من القرية لم يكن أمامي الا السير في الاراضي الزراعية المحصودة (البرايز) ونتيجة للسرعة خلفت ورائي عاصفة ترابية بحيث لا يستطيعون رؤية سيارتي من التراب الصاعد الى السماء ، وصلت الى الوادي القريب من الجبل لا حظت سيارة معطلة في الوادي، فأطفأت سيارتي ونزلت منها كي ازيلها عن الطريق، في هذه الاثناء وصلت الينا إحدى الهمرات فهربت الفتيات الأربعة وابن عمي وبدءوا بالرمي علينا ، فأنا لم أستطع الهرب ووصلوا وارادوا قتلي لكنهم قد القوا القبض على شخص ايزيدي من عشيرة العزاوية كان معهم فقال لهم الرجل سلم نفسه لكم ونحن تحت حماية الدولة الاسلامية .
بعدها ذهب اثنان منهم الى الوادي وارادوا كسر زجاجات سيارتي وقالوا سوف نقتلك لانك هربت من قوات الدولة الاسلامية، حملت قناني الماء وقد تم ثقبها بالعيارات النارية ولم يبق بها الماء الا القليل، ثم عادوا الى خيمة (عزو صالح قاسم) قرب قرية (زيريلية)، فرأيت مجموعة من الدواعش يشهرون بنادقهم نحو السيد عزو ووجهائهم ، وطلبوا من الحضور بتسليم الموبايل والاسلحة تم تكديس كومة من الاسلحة وحينما نسلم الموبايل يكسرونه باقدامهم بينما حملوا البنادق في السيارة وأنا واقفاً وراء الخيمة واراقبهم وكان يتواجد أعداد كبيرة من الايزيدية هناك ، السيد (سعد حمد متو) كان يتواجد هناك أيضاً ناديت عليه فجاء وقلت له ما رأيك ؟ فرد قائلاً: لا أرَ خيراً فيها، اما السيد عزو تصور بانهم كنظام البعث يسلمون الاسلحة لذا يطلق حريتهم، بينما سعد كان يعرف أحدهم كان رفيقاً بعثياً سابقاً فأشار له هل هؤلاء هم بعثيين من جماعتنا ؟ فأشار له باليد كلا، فقال لي : هذا القوم المسكين أصبح في خطر هؤلاء مقاتلي الدولة الاسلامية المتطرفة ولن يرحموا أحداً، بينما عزو صالح قاسم قد صدق من هؤلاء وسلم نفسه اليهم ولحد الان مصيره ومصير رجاله مجهولاً.
ثم عدنا بالعائلة الى قرية الزليلية وحضرنا الاكل، رن هاتفي النقال ونحن نتناول وجبة الغداء، فقال أحد أقرباني لقد قتلوا ستة من رجال عائلة في مزرعه فتهيئنا للصعود الى الجبل ومشينا مسافة قالوا لنا بانهم ابادوا الرجال في (قنى) فقتل منهم (70) رجلاً.
وفي الجبل كان معنا النساء الحوامل والوالدة العجوز، ونتحول من مكان الى آخر في الجبل لعدم وجود أكل وشرب والاطفال يتباكون وأخيراً وصلنا مهيركا ثم توجهنا الى مزار (بيري اورا) وحينما وصلنا بالقرب منه ضربونا الدواعش وقتل مجموعة من كبار السن الذين لم يستطيعوا الهرب بينما كانت تهرب العوائل ونحن الرجال كنا نقاتل الدواعش بأسلحتنا الخفيفة ، بعدها دفنا شهداؤنا من كبار السن، واثناء تواجدنا هناك لعدة أيام توفيت زوجة (جلال شيخ مراد ناصر) من التعب والهلاك والعطش ناداني زوجها واسقيتها ماءاً لكنها فارقت الحياة ودفنناها بالقرب من المزار وواحدة أخرى من العزاوية من أهل قريتنا ماتت من شدة حر الصيف، وفي باب كورا ماري قتل الدواعش إثنان من كبار السن ولم نستطع دفنهم بل غطينا وجوههم بملابسهم، وبعدها رأيت كاهلاً أمام جدار للأحجار قد ضربته قذيفة هاون واردته قتيلاً، فغطيت وجهه بمنديل كبير ولم نستطع دفنه حينها، وبعدها وصلنا الى مزار شرف الدين وبعد يومين وصلنا الى نقطة دوكري الى الحدود السورية.
وبعد مرور فترة شهرين علمت بان إثنين من أولاد جارنا وكريفنا الخائن (عائد المتيوتي الداعشي) قد قتلا إثناء هجومٍ للدواعش على الجبل فهما كانا مشتركين فيه، فاتصلت به، إنه اعتقد اني سأعزيه، فقلت له انشاء الله أرواحهم الى الجحيم وبأس المصير وهذا اليوم يكون أسعد الأيام لك، فرد غاضباً (سود الله وجهك …. يا …….) فأغلقت الهاتف النقال.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية