الاديب والشاعر فوزي الاتروشي … شاعر الحب والحياة
نجم الاميري
للمرة الثانية يسعفني الحظ في مدينتي واستمتع منتشياً بأحلى ذكريات الحب وانا استمع الى قراءات شعرية غزلية للاديب الشاعر فوزي الاتروشي .. الاولى كانت خلال زيارته الى ميسان بمناسبة احتفالات بغداد عاصمة للثقافة العربية لعام /2013 .والتي تزامنت مع احتفالات عيد الحب فكان يوماً مع شاعر يحمل زهرة الحب من ربوع الحب (كردستان) الى مدينة الحب ميسان .. والثانية في حضوره المتميز والفاعل في مهرجان الكميت الثقافي الثالث فقد أبدع وتألق من جديد في امسية شعرية شاعرة شاركه فيها نخبة من شعراءالمهرجان انشد فيها للمرأة والحب على ايقاعات غزلية راقصة عزفتها اوتار قلب مترع بالحب والعشق في اسمى صور الرومانسية في ظلال باسقات النخيل في منتجع جنة عدن … يقول في احدى قصائده في ديوان
( كنت حبيبتي )
كل عام وانت بخير
يا اللتي جسمها غابة زيتون
وصوتها سرب بلابل
كل عام وانت بخير
يا اجمل الحرائق في قلبي
واكبر الزلازل في عام الزلازل
كل عام وانت بخير
يا التي فمها نهر من السكر
ماله ضفاف او سوحل
كل عام وانت بخير
فكل شيء في هذه الدنيا
ماعدا حبك زائل
سبحانه الذي جعل الميلاد لحبك
مزرعة من الحناء والجدائل
سبحانه الذي حول ليلة الميلاد
لاجل عينيك كحلاً وهلاهل
سبحانه كيف اهدى لاربيل التي …
لاتعرف الامطار الآف من المشاتل
انه الشاعر الذي تشكل قصائده في مجموعها وثيقة شعرية وعاطفية فريدة .. فهي قصائد حب في منتهى الجمال تتسلل الى وجدان القارئ برقة متناهية .. انها صورة الفن الجميل والشعور الصادق والرومانسية .
ابتعدي عني قليلاً
لا تحبيني كثيراً
فحبك كالبحر
وانا لا اطيق السباحة في البحر
انا احبك اكثر من عشق النوارس للبحر
وعشق الحمائم للنهر
احبك مثلما اهوى وطني
ومثلما احب قبر امي
الذي تحول الان محراب طهر
ويرى شاعرنا ان جمال المراة وجمال كوردستان متشابهان فكل مافي المرأة جميل وجذاب عيناها .. شفتاها .. نهداها .. وخارطة تقاطيع جسدها المثيرة .. وكوردستان كذلك كل مافيها ساحر وخلاب .. جبالها .. سهولها … وديانها .. تساقط مياه شلالاتها … ونساؤها فهي ثنائية متلازمة في شعره فهو الوطني المناضل الذي يحمل قضية وطن وهو المؤيد للمرأة والمناصر لقضيتها من منطلق انساني وهو الذي عاش الاغتراب بعيداً عن بلاده الجميلة مستذكراً في قصائده قمم جبال كردستان الشامخة متجاوباً مع صوت الناي الحزين وصداه مع الرعاة والوديان على مدار ايام اعياد نوروز ثم مستذكراً نساء اربيل ولحاظ عيونهن الودودة الناعسة حيناً والقاتلة احياناً اخرى .
شعرك الطويل لابد ان يبقى طويلا
وان يظل كما السنابل يستطيلا
ويظل بالعطر والحناء مكتنزاً
كما صفصاف كوردستان يبقى عالياً وظليلا
وانا رحلت كثيراً واخيرا
قررت ان لا امارس الا في ثنايا شعرك الرحيلا
والشاعر فوزي الاتروشي اضاف لتجربة الحب وعالم المرأة الواناً وتنويعات اذ جعل من قصائد الحب رسولا للحرية مخاطباً بها ضمير العالم ليلتفت ويتفهم قضية شعب عريق مضطهد جرت ابادته ..
يناضل من اجل وجوده معطياً صورة رائعة عن جمال طبيعة هذا الوطن ونضال رجاله ونسائه .
(حلبجة الوشم الابدي)
عند الظهيرة … كان طفل في حلبجة
يقتفي اثر الفراشات الملونة الجناح
كانت ظفائره الجميلة كالسنابل
حين تلفحها الرياح
الورد كان مشوشاً .. اي المعاطف يرتدي
اي المفارق يستريح بظلها
اي المسالك يستحم بشمسها
ان حب الشاعر واشتياقه لمدينة اربيل يثير لديه ذكريات الحب الجمة ففجرت لديه ينابيع العطاء الثر من الغزل في صورة شعرية تفيض عاطفة ورقة وصدقاً فمدينة اربيل والمرأة المعشوقة كلاهما حبه الدائم ..
قصيدة (امرأة تعمر اربيل)
من يتصور ان امرأة واحدة تجعل من اربيل مدينة المشاتل
واذا انطفى النور في شوارعها تشعل بين اصابعها العشر الاف المشاعل
وكلما هبت رياح الحزن عاتية تتحدى الحزن وتعلن مهرجان هلاهل
اما مدينة اتروش مهد طفولة شاعرنا ومرابع صباه ومثوى جده رجل اتروش المعطاء الذي يجود بنعمة الخير على الناس فقد كان الحفيد الاثير لديه يطعمه ويحتضنه لكن يد الغدر كما في كل زمان تغتال كل صالح في هذه الدنيا وكل فاعل خير وكل وائد حب جليل .
قصيدة(الى جدي)
ذات يوم كان لي جد
تقول جدتي ان على محياه النور يسيل
كان يجود بنعمة الخير على الناس
ونعمة الحب لكل قلب عليل
كان يطرد الظلام عن اتروش
وكان زيته مثل فلبه
ينزف داخل القنديل
ان اكثر الامال الكبيرة والقضايا المصيرية ذات التعقيدات الشائكة تبدأ بالاحلام في عقول المناضلين المؤمنين بقضايا شعوبهم وتقرير مصائر اوطانهم ومنها تبدأ مسيرة تحقيق الاحلام مندفعين بعدالة قضيتهم وايمانهم بقدرة شعبهم واخلاص قياداتهم .
ففي قصيدة (حلم) نرى قوة استشرافه الذي قاده الى تنبؤه بمستقبل زاهر لوطنه كوردستان وهاهو حلمه قد تحقق .. فأرض كوردستان امست جنة من الجنان الوارفة الظلال لترفل بالحب من نوروز دائم
قصيدة (حلم)
وانام احلم ان حقول القمح
تصير بيادر تعلو .. تحرق ايام الجوع القاسي
وبأن كروم العشق معتقة تأتي وتصب على كأسي
وانام واحلم ان صباحاً اخر يأتي ليبدأ موسم اعراس
وبأن مقابر كوردستان تدشن يوم قيامتها وتصير لارض الجنة عنواناً
وبأن خرائط هذا العالم ماعادت تنفي وطناً .. سنظل نسميه كردستاناً
الاديب الشاعر فوزي الاتروشي متألق دائما .. ثر العطاء .. عرف اسرار اللغة فأبدع في توظيفها بسلاسة اللفظ ورشاقة الجملة وجزالة المعنى وحسن التشبه برومانسية السهل الممتنع تشهد على ذلك دواوينه الشعرية العشرة التي اختار لها عناوين تمنح القارئ النشوة والفرح والحب ولابد من التنويه بأن اجادة شاعرنا للعديد من اللغات الاجنبية كالالمانية والبلغارية والاسبانية والبلغارية والانكليزية اضافة الى الكردية والعربية قد ساهمت في اطلاعه على آداب الشعوب وعلى كل جديد تطرحه المدارس الادبية في عالم متسارع الخطوات .. لذا فهو شاعر انساني يتخطى الحدود ليتواصل بأبداع خلاق مع قضايا انسانية عموماً , وفي الوقت نفسه يسعى جاهداً الى ايصال الصوت الكردي الى الآخر في حوار وخطاب مباشر يفيض حباً وصدقاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر المقال في جريدة ميسان الثقافية العدد 32/ بتاريخ 23 /1/2014 .
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية