حجي خلات المرشاوي
يتعالى شخيره فاتحا أمامها بابا سيصعب غلقه. تنسلّ من فراشها زاحفة مثل حية مستفزة وتسحب (الموبايل) من تحت وسادته . ترتعش أصابعها وهي تنقر على الأزرار الدقيقة مطبّقة بصعوبة ما تعلّمته من جارتها. تفلح في الدخول إلى الرسائل المستلمة. حبيبي متى أجلس بجانبك وأمتص رحيق لسانك وأرتشف رضاب شفتيك وأداعب عضـ…وتمتلئ نفسها بالمرارة حين تتأكّد أكثر شكوكها جنونا. يغوص قلبها في مستنقع ضحل من الانكسار فتشهق تحت وطأة الصدمة المزلزلة . شعر صدرك الذهبي يشعلني، يحيلني إلى قطة هائجة، عانقني فحرارة جسدي سترفعك لسماء عذراء لم يطأها أحد ونيران شهوتي سوف تـ…وتتضبّب الرؤية بفعل دمعة حرّى تنزل من كوّة ألمها وتسقط على جمرة وجعها لتهزّ أركان عالمها الذي طالما حسبته ثابتا وغير قابل للتداعي . من أين لك كل هذه القدرة على ممارسة الحب؟ ثلاث مرات في آخر لقاء يا فحل! ما زلت أحتفظ بتذكاراتك السائلة في مساماتي و… نشيج محبوس بأسوار الخيبة مطوّق بأسنّة القلق ومضغوط بترياق الخوف يجالد المرور عبر حنجرتها قاضيا في كل لحظة على الحواجز التي تضعها أمامه. الآن تدرك لماذا يوليها ظهره وينام قرير العين. حبيبي كل شيء مباح لك، جسدي بجميع توابله ملك مشاع لفجور أصابعك وشذوذ رغباتك… تتأوّه كشجرة ينغرز النصل في لبّها وتغمض عينيها متذكّرة كم توسّل كي يواقعها مثلما يفعل الكلب بأنثاه ولمّا أنقلبَ على الأرض منتشيا وصارخا من هول اللذة، بقيت ممدّدة على بطنها تبلع شفرة إذلالها الحادة وتتجرّع ببطء السلحفاة مهانتها لتخفي على الليل البهيم علامات خزيها. تكبر فيها روح الضحية التي تستلذّ عذابها ويغزوها شعور الفريسة التي تستعذب قسوة صيادها فتضغط على زرّ آخر داخلة على الرسائل المرسلة. لا أرى سوى دنياي التي حرمت منها في سوائل مهبـ…يدوخ عقلها باحثا عن مكْمن الجرح ليشقّه إلى أقصى مدى كي ينبثق الصديد المحتقن ويغرق الكون بقيح الكبرياء المنتحبة بصمت . ثدياك الطافران كأرنبين بريين يجندلان صوابي ويلقمان جوعي بال… أرتعاشات هستيرية تضرب بتواتر صلف جسدها المتكوّم مثل جرذ مقيت والمشطور بذعر ما سيحدث في الأيام القادمة. هل أعجبك الفستان؟ ليتك ترتدينني بدلا منه… صخرة ناتئة تستقرّ في سقف حلقها وهي تتذكر (الدشداشة) التي ظلت ترتديها لثلاث سنوات متتالية أيام كان دخله لا يتجاوز الخمسة آلاف دينار عراقي . جسدك علمني ما يجب أن تكونه المرأة وما يجب أن تفعله لرجل زنديق مثلي، ضميني عاهرتي بكل قواك فظمئي صحراء لا … تقذف الجهاز اللعين من يدها وينطلق البكاء المكتوم من عقاله معزّيا ومهدّئا ومؤْنسا في ذلك الليل الشتائي الطويل الذي يلوح وكأن لا صباح له. تنتفض واقفة في وسط حرائق تلتهم ملاذها الذي لم يعد آمنا. تجيل النظر في تفاصيل عالمها بعين أخرى. هذا الرجل الممدد هناك ككتلة موجعة لا تعرفه وأولئك الأطفال الذين يغطّون في نوم عميق بعيدون عنها. أنه عالم يستحق التمرد عليه وإطلاق (تفلة) كثيفة الرغوة في وجهه المعجون بنقيع البشاعة . لا بد أن تفعل شيئا حتى يهدأ هذا الفوران الجنوني لنزيف كرامتها وتستعيد الأنثى فيها بعض الشهيق. تطوّح اليدان التائهتان في الهواء باحثتان عبر الفضاء المشحون بشهوة التدمير عن شبح أو كتلة ما تتجسّد فيها ملامح عدو يتفوق عليها. ثمة خيارات عديدة أمامها لكن قبل هذا عليها أن تتغلب على سبعة آلاف وثلاثمائة يوما من خديعة بدأت حين لوّح زوجها بمنديل الليلة الأولى متباهيا أمام الملأ ببقعة الدم التي منحتها صكّ طهارتها. تفكر أن تشدّ شعرها وتمزق ثوبها وتصرخ بملء حنجرتها لتثقب قسوة هذا الليل وتخدّش بمخلب اللبوة الجريحة وجه تأريخها الزائف. لا، ستذهب للحمام وتدلق على هذه الكومة الحقيرة من اللحم والعظم والأعصاب قارورة كازولين . يرتعش جسدها حين يتغلغل السائل اللزج البارد في نسيج ثوبها. تمتدّ اليد المستنفرة وتلتقط عود الثقاب. تستخلص الأصابع المتخشّبة عودا يكمن في اشتعاله خلاص فادح الثمن . تومض العينان بأولى علامات الأنفكاك من ثقل شديد الوطأة ويقترب اللهب الأصفر بأستقامة وثبات من الجسد المنتصب كهيكل إغريقي موغل في الوجع . أربعة سنتمترات، ثلاثة، اثنان، واح…وتهتزّ اليد على وقع نحيب هزيل يأتي من الغرفة الكارثية لتتصدّع فضاءات الموت المحيطة بها. تتجاهل ألتماس المهد الواهن وتشعل عودا آخر محاولة الاحتفاظ بتصميمها السابق لكن النحيب القادم من بؤرة ذعرها يتحول إلى بكاء عنيف يمزّق الأشباح السوداء التي تحوّم حول رأسها. تلتقط عودا ثالثا وتغمض عينيها باحثة عن تركيز شوّش تماسكه كائن مسكين نسيته في غمرة شعورها بذلك الجرح العميق. تضغط بيديها على رأسها وتحاول أن تطرد من ذهنها المنهك صورة إبنها الرضيع إلا أن البكاء الذي يمسّ أشفّ مناطق أمومتها ينسف آخر معاقل مقاومتها. تردّ على زعيق الطفل الرضيع بدموع امرأة تذكرت للتو أنها ما زالت أمّا تملك في عروق صدرها مفاتيح الحياة لكائن آخر. يثير النداء الشفيف مكامن أمومتها وتضمحلّ شيئا فشيئا الأنثى المطعونة في أقدس مساحاتها. يمتلئ الثديان بسائل الحياة الأبيض وتنتصب الحلمتان لاستقبال نشيد الطفولة المدهش. تضغط طلائع الحليب المندفعة بقوة الغريزة على المخارج تنوي أكمال دورة الحياة الطبيعية وفرضْ المنطق الذي كاد يتهشّم على تفاصيل الموقف. ترمي كل شيء من يدها وتركض بلهفة نحو عالم جميل وحانٍ كان على وشك أن يتدمر في لحظة غضب أطلقتها لبوة جريحة. تلقم الرضيع ثديها وينساب حليب الرحمة تحت ضغط الشفتين الناعمتين دافئا يكفّر عن ذنب لم يكتمل. تدفع خصلات شعرها المتدلية كفعل تائه عن وجهها وتمسح دموع التمرد ثم تنظر إلى الطفل نظرة ملاك نادم على عصيان ربّه مدركة في لحظة وضوح واتزان بأنها أقوى من غريمتها بآلاف المرات. تطوف بعينيها المتسربلتين ببريق جديد على الوجوه النائمة وتتمتم بما يشبه الدعاء: ثمة وقت لإصلاح ما فسد.. ثمة أمل لاستئناف الحياة .
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية