الموصل.. بعيون الأقليات
خدر خلات بحزاني
حسنا، انا اعترف على الملأ، انني ـ وبعد استماعي لقصص ناجيات من قبضة داعش لعمليات الاعدامات الجماعية بحق عائلات كاملة في شنكال، كثيراً ما تمنيتُ محو مدينة الموصل عن بكرة ابيها مع محو القرى العربية المحيطة بها، مع محو البلدات التركمانية السنية.. لكن هل هذا سيقودني للعيش بسلام؟؟
بلا شك، ان «المسلمين السنّة» في نينوى من عرب وتركمان بالدرجة الاولى، أسهموا في كارثة شنكال الدموية وتورطوا في قتل وخطف وسبي الالاف من الايزيديين، كما انهم أسهموا بتهجير «جميع» مكونات نينوى من مسيحيين وشبك وشيعة.
القلوب لدى اقليات نينوى مهمومة ومشبعة بالكراهية تجاه الموصل ـ كمركز للمحافظة ـ والصدور تغلي بمشاعر الانتقام، وانا شخصياً التقيتُ بالعديد من المقاتلين الايزيديين من المتطوعين بجبل شنكال، واغلبهم فقدوا عائلاتهم بالكامل من اشقاء وشقيقات وزوجات واطفال وغيرهم، وقالوا انهم لا يريدون شيئاً آخر من الحياة سوى الانتقام ممن دمر حياتهم، ولهؤلاء كل الحق بذلك على وفق نظرة اولية..
واشير الى ان الكثيرين من اقليات نينوى يتمنون انهيار سد الموصل، لابادة قرى ومدن يسكنها العرب السنة، والزعم بان ما يحدث هو انتقام الهي بسبب جرائم داعش تجاه تلك الاقليات..
لكن مهلا.. هل الانتقام بابادة ابناء مكون معين، يعني ان الاخرين سيعيشون بسلام؟ وهل ان «كل» اهل الموصل من المسلمين السنة هم داعش وهنالك الالاف من شبابهم انخرطوا لمقاتلة التنظيم وقدموا ضحايا لا يستهان بها؟
انا واثق ان اغلب اقليات نينوى يكرهون مدينة الموصل منذ عام 2003 ولحد الان، بسبب المضايقات الدموية والعنيفة التي تعرضوا ويتعرضون لها من قتل وطرد واستهداف (يُذكرنا بمضايقة يهود العراق في نهاية اربعينيات القرن الماضي)، لكن هل يجوز ان نتهم 2 مليون انسان بجريرة بضعة الوف من المتطرفين المذهبيين؟
الحلول ليست بيد ابناء الاقليات فقط، بل بالتعاون بين الجميع من ابناء نينوى، سواء من سكانها الاصلاء او من ابناء الاقليات او ممن وفد عليها في العقود والقرون الاخيرة.
ولتطمين ابناء الاقليات بنينوى، لابد من اعلان البراءة من كل من تورط بجرائم داعش، وتقديمهم للعدالة، والتعاون مع الاجهزة الامنية لكشفهم كي ينالوا جزاءهم العادل.. وينبغي ايقاف جريمة التغيير الديمغرافي بحق الاقليات، وعدم الاستقواء بالاكثرية، والغاء جميع القرارات الخاصة بمسألة «التعريب» بنينوى، واعادة العرب الى مناطق سكناهم الاصلية قبل عام 1975 واعادة الارض لاصحابها الاصلاء، مع التأكيد على ان تكون المناصب الادارية النافذة في مناطق الاقليات بيد ابنائها، وليس بيد غرباء عنها.
اعود واقول، ان هنالك شرفاء ووطنيين من اهالي نينوى، وانهم متألمون جداً مما اصاب الاقليات فيها، وعلينا ان نكسب هؤلاء، لانه ليس من الحكمة ان نعادي الجميع..
والانتقام لن يأتي الا بانتقام آخر، وهكذا سندخل في متاهة دموية ستدفع ثمنها اجيالنا المقبلة، عليه ينبغي التعامل بحكمة مع الاحداث عقب سقوط داعش، الذي هو سقوط حتمي ومسألة وقت لا اكثر.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية
