إصلاحات العبادي تسير على طرق وعرة
لو تمعنا جيدا في تاريخ العراق السابق وحتى الآن، لوجدنا عدم وجود تظاهرات مشابهة للتي تحدث الآن في العراق، والمطالبة بالإصلاحات الجذرية في كافة مفاصل الدولة، حيث كانت التظاهرات في السابق لا تدخل في تفاصيل كثيرة وإنما كانت محددة المطالب، عكس ما نجده حاليا لما يطالب به الشعب العراقي من العبادي رئيس الوزراء العراقي حاليا، فجميع ما يطالبون به هي مطالب مفصلة تفصيلا كاملا، فتارة نرى المطالبة بحل البرلمان وتارة أخرى نرى المطالبة بمحاكمة المسؤولين الفاسدين، وتارة نرى المطالبة بإصلاح قطاعات الخدمات والكثير الكثير من المطالب الجماهيرية، وإن سقوف المطالبات في محافظة ما، تكمل المطالب لمحافظة أخرى، لذلك نستطيع أن نقول بأنها مرحلة بناء دولة جديدة تبدأ من الصفر، وهذه مهمة صعبة للغاية تقع على مسؤولية رئيس الوزراء العبادي، لأنها أي المطالب، تحتاج الى جهودا جبارة قاهرة تستطيع أن تختزل بناء دولة جديدة في خلال ما لا يقل عن خمس سنوات إن لم تكن أكثر على الأقل، لأن العراق ورث من عهد النظام البائد عراقا إحترق فيه الأخضر واليابس، وعراقا كله خراب، إزداد جملة وتفصيلا منذ تولي بعض الساسة في العراق زمام أمور البلد، لأنهم تركوا معاناة شعب العراق بمكوناته وطوائفه المتعددة تزداد يوما بعد يوم دون القضاء على تلك المعاناة، وجمعهم تحت مظلة الديمقراطية والعدل والمساواة، ورغم كل هذه المعوقات فإن العبادي مصر على تلك الإصلاحات التي تسير في طرق وعرة جدا يصعب عليه إجرائها، مما ينذر ببداية صراع مخيف، يطرح تساؤلات كثيرة حول سبب تأخر وسير العبادي في تلك الطرق الوعرة ومنها :-
هل قدم الساسة يد العون الى العبادي؟
هل قاموا بتقديم مشاريع إصلاحية عاجلة وآنية الى العبادي؟
هل إتفق الجميع على تبني هموم الجماهير أسوة بالمرجعية بخطاب صريح وواضح؟
هل قدموا تنحيهم عن مناصبهم بصورة طوعية الى الشعب والعبادي؟
والجواب هنا كلا، فقد بدأت بعض أذرع بعض الاحزاب والساسة بحملة ضد العبادي، ومنها مثلا المساءلة المزمع إتخاذها من قبل أشخاص يقومون حاليا بتحركات مكثفة ومقربين من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي نائب رئيس الجمهورية السابق أيضا، والذي الغى العبادي منصبه ضمن حزمة اصلاحات، لإجهاض تلك الاصلاحات التي تهدد مكانة المالكي ومستقبله السياسي، وتسييس هذه التظاهرات الجماهيرية، ومحاولاتهم بتحويلها الى مطالب سياسية طائفية، ومطالب حصصية، كما قاموا بإطلاق التصريحات الرنانة بدعوة دعمهم لعملية الإصلاح عكس ما يضمرون له في السرية، كما إنهم ليسوا على إستعداد لترك مناصبهم ومحاصصاتهم، وقد إختار معارضوا العبادي أيضا هذه المرّة البرلمان، لتضييق الخناق عليه عبر مطالبته بمراجعة عدد من الاجراءات التي إتخذها والتي ربما تمس أو تهدد مصالحهم، والحملة المعلنة في فضائيات وصحف بعض تلك الأحزاب والأطراف السياسية، التي تعقد عملية الإصلاح بحجة الدستور والقوانين، كيف يمكن للعبادي أن يقيل فلانا من الورزاء، أو المحافظين أو بعض مدراء الدوائر، أو تسويف وتمديد وقت الإصلاحات بمقترحاتهم التي تؤدي الى تخدير المتظاهرين، مما سيشعرهم بالاحباط في هذه الحالة، والتي بدأت بحرارة شديدة بسبب تأييد المرجعية الرشيدة العليا في النجف للإصلاحات.
كما أن هذه الجماهير لم ترى حتى الآن أية أشارات تدل على بزوغ الفجر والنور من الأفق، لأنها أمنيات ووعود، بسبب ما يسمعه العبادي من أصوات قرع طبول الحرب، والتهديد والوعيد من قبل بعض الساسة والأطراف، وبحجج واهية منها طرح أفكار حرب طائفية وإنفلات أمني، وتزعزع للأمن والإستتباب، وحرب داعش والكثير من الحجج الأخرى، ويطرحونها أمام العبادي لثنيه عن الإصلاحات التي قررها، فالمناصب تحول دون تفهم أولئك الساسة بأنهم يجب أن يكونوا بمستوى المطلب الجماهيري، كما أن الأموال التي يجنوها والتي لا تعد ولا تحصى أيضا، تحول دون تنحيهم عن السلطة، وتسليم تلك المناصب الى أناس تكنوقراط غير محسوبين على أي جهة كانت، وأناس يؤيدون إصلاحات العبادي لا أن يقرعوا طبول الحرب على رئيس الوزراء.
من ناحية أخرى فأن تأييد المرجعية الرشيدة، لرئيس الوزراء العراقي وحثه على تغيير الوضع المتردي في العراق، حال دون مواجهة العبادي في باديء الأمر الى أولئك الداعين الى عدم تنفيذ الإصلاحات، ولولا المرجعية لكان العبادي حتى الآن وحيدا لا يستطيع احد ان يتنبأ بمستقبله، والدليل على هذا حينما أعلن العبادي أن تهديدات شتى تحوم حوله من كافة الإتجاهات، تجسدت برفض مقترحاته وإصلاحاته، كما أن إختراق جمهرة المتظاهرين والحشود هي نوع آخر من تلك التهديدات الخطيرة، وظهور بعض المجموعات المجهولة قامت بإغتيال عدد من قادة التظاهرات، كل هذه الأمور تشير الى أن بعض الساسة بدأوا بقرع طبول الحرب على العبادي وإصلاحاته، ليس ضده فقط، بل ضد كل من يتبنى ملف القضاء على الفساد إن كان من أفراد الشعب أو من المؤيدين للعبادي من الأطراف السياسية أخرى، لذلك على العبادي إحتواء الغضب الجماهيري والبدء بتنفيذ إصلاحات جدية وجريئة دون خوف، وتنفيذ ما يطالب به الشعب في أسرع وقت ممكن، لإبعاد صوت طبول الحرب وهي تقرع ضده، ومن أجل التنحي عن الطرق الوعرة والاتجاه الى طرق أكثر إستقامة.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية