الايزيدية جرح ينزف منذ عقود
منذ ان وجدت الديانة الايزيدية على هذه الارض التي يطلق عليها العراق وهم لم يجدوا الراحة والاستقرار ابدا حيث لم تنقطع عنهم الحملات البربرية وعمليات الابادة الجماعية فكانت مسيرة حياتهم عبارة عن سلسلة من عمليات القتل والتهجير المنظمة , فما لاقاه ابناء هذا الدين من معاناة وسوء المعاملة والاهمال المستمر لم يلقاه ابناء اي دين او مذهب او طائفة في العالم اجمع , فبدأ من الحملة الاولى التي شنت ضد الايزيدية العزل وتحت تسمية الجهاد في سبيل الله ومرورا بعهد الفرمانات التي جاوزت عددها (72) فرمانا و وصولا الى هذه اللحظة لم تنقطع عن هذه الديانة سيل الهجمات وعمليات الابادة الجماعية لا لسبب سوى انهم يعتنقون دينا يؤمن بالله وملائكته ويعبدون الله منذ الاف السنين . قوم يعبدون الله ولا يؤذون احد ولم يتدخلوا في اية صراعات سياسية او طائفية وانما هدفهم الوحيد في هذه الدنيا ان يتركوا وشأنهم في ممارسة طقوسهم وعاداتهم التي لا تسيء الى أي طرف من الاطراف . قوم لا يسعون الى كراسي الحكم او السلطة كما يفعلها غيرهم بل جل غايتهم ان يعيشوا بأمان بعيدا عن تطرف الغير . قوم كهذا قوم بأمانيه و غاياته البسيطة ولا يستطيع العيش في العراق فكيف لو كان لهم اهداف سياسية وأطماع سلطوية ؟؟؟؟؟
منذ مئات السنين والايزيدية يتعرضون الى كل اساليب العنف و الاضطهاد والعنصرية دون ان يكون هناك من سبب يتوجب استخدام هذا الاسلوب العدواني ضدهم . واذا كانت الايزيدية تؤمن بديانة مختلفة عن الاديان الموجودة في المنطقة فهذا شأنهم وليس شأن غيرهم فليس هناك من يستطيع ان يدعي بأن الله عز وجل قد فوضه في توحيد اديان العالم ودمجهم ضمن دين واحد . واذا كان اختلاف الدين ـــ مع بقاء الجوهر وهو عبادة الله وحده دون غيره ـــ سببا في ان يمارس بني البشر اعمالا لا يرضى عنها الله فكيف لو كان الايزيدية لا يعبدون الله او كما هو الحال في بعض الديانات المنتشرة في الهند حيث يعبدون الابقار او الاصنام او أي عبادات اخرى ( مع خالص احترامنا لكل الديانات ) ؟؟
ان من يمعن النظر في مأسي الايزيدية ومعاناتهم سيندهش من حجم القوة والضغط الذي مورس ضدهم وكذلك من حجم الدمار والقتل والتهجير التي اصابهم فحجم هذه الديانة وعددهم في هذا البلد لا يوازي وحجم الابادة التي تعرضوا لها حتى وان كانوا يمارسون القتل والارهاب والصلب والنهب خاصة اذا ما علمنا ان هذه الديانة وطوال تاريخها لم يكونوا من القتلة او من الذين يسيئون الى امن وسيادة العراق بل على العكس من ذلك كله فهم قوم مسالمون وطيبون ويدعون الى التعايش الاخوي , (72) فرمانا ( حملة ابادة ) اصدر ضدهم بكل ما يتضمنه هذه الفرمانات من وحشية و دمار وتجهيز قوات قتالية كاملة وعلى القارئ ان يتصور حجم الكارثة التي ترافق كل فرمان خاصة اذا كانت دولة من الدول الكبرى في ذلك الوقت بكل وسائلها وإمكانياتها الاقتصادية والعسكرية هي التي تقود هذه الفرمانات وتجهز العساكر والقوات وتستدعي الاحتياط في بعض الاحيان بهدف محاربة مكون بسيط و اصيل من مكونات العراق وهذا المكون بسيط في ذاته و لا حول له ولا قوة .
انها مجازر دموية رهيبة وبشعة طالت الايزيدية وحصدت منهم الالاف والالاف دون جريمة او سبب , ومع ذلك لم يكتفي الاعداء ولم يشبعوا من امتصاص دماء الابرياء والعزل وكأن الدماء التي سالت في الفرمانات لم تروي عطشهم فجاء احفاد تلك القوة الارهابية تطالب بسفك المزيد من الدماء فجاءت اعمالهم الارهابية وقتلت ما يقارب (400) ايزيدي وجرحت اكثر من ذلك بكثير في عملية ارهابية كبيرة استهدفت الابرياء العزل في تل عزير وسيبا شيخ خدر وذلك في ( 14 / 8 / 2007 ) , قتلوا النساء والاطفال والشيوخ و فرقوا مابين الام وابنها وبين الاخ واخاه وبين الاحبة قتلوا من كانوا في الاساس امواتا و وجودهم في هذه الدنيا لم تكن سوى ملا للفراغ فحياتهم ومعيشتهم الشبه بدائية كانت اقرب ما تكون الى الممات من الحياة وربما هذا ما قد اغرى الارهابيين في استخدام تلك الكمية الكبيرة من المتفجرات وتلك العدة والتجهيز المنظم ضدهم . ولتدمير معظم بيوتهم الطينية في تلك المناطق ولم يكتفوا بهذه المجزرة البشعة بل زادت شهيتهم العنصرية المتعطشة الى دماء الابرياء فقاموا بعمليات اخرى استهدفت عامة الايزيدية أي لم يكونوا يستهدفون المواقع العسكرية او الحزبية او أي جهة اخرى من الجهات التي اصبحت هدفا للعمليات الارهابية في العراق اليوم حيث استهدفوا العمال الذين خدموا مدينة الموصل لسنوات طويلة فقتلوهم بدم بارد وبدون التفكير بعوائلهم واطفالهم الذين كانوا ينتظروهم بفارغ الصبر ثم استهدفوا المقاهي الشعبية في سنجار و روادها من كبار السن الذين كانوا يتجمعون مع بعضهم البعض لتمضية الوقت لا اكثر فقتلوا من كانوا ينتظرون الموت بفارغ الصبر , ثم استهدفوا شارع الأطباء في ناحية سنونى بما فيها من اسواق بيع الذهب والكهربائيات والفواكه والخضار فقتلوا من قصد مراجعة الاطباء لغرض العلاج وكذلك من اراد ان يسترزق قوته او من اراد شراء حاجات لبيته , ثم قاموا بالعديد من الاعمال الارهابية الاخرى ومنها ارسال السيارات المفخخة و الاحزمة الناسفة فكانت حصيلة تلك الاعمال وقوع العديد من الضحايا في عمليات مختلفة سواء في داخل سنجار او في مناطق اخرى يقطنها الايزيدية وكلهم من الابرياء العزل .
كنا نظن ان العراق قد تحرر من سيطرة الدكتاتورية و من الانظمة الرجعية التي استباحت دماء مواطنيها وقتلت الالاف من ابناء العراق من جنوبه الى شماله , كنا نظن او اعتقدنا باننا قد تخلصنا من ذلك الهم الكبير او العداء المعلن ضد الشعب ولكن لم يكن ظننا في محله فقد تخلصنا من النظام الدكتاتوري من جهة ولكننا وقعنا تحت رحمة الافكار الهدامة والنظريات الرجعية والطائفية التي تبنتها المجاميع الارهابية والعصابات الدموية فأصبح قتل الايزيدي تذكرة دخول الارهابي المجرم الى جنة الله وأصبح تدمير قراهم ومناطقهم المهدمة اصلا من اولى فتوحاتهم الايمانية واعمالهم التبشيرية , لقد اصبح الشعب العراقي كله مستهدفا من قبل الارهاب وخاصة الفقراء والمساكين ولكن ما تعرض له ابناء الديانة الايزيدية من عمليات ارهابية فاقت كل العمليات الارهابية في العراق فهم مستهدفون لكونهم دين اصيل في العراق من جهة ولكونهم كورد من جهة اخرى .
كان بالامكان ان يتأقلم ابناء هذه الديانة مع هكذا اعمال ارهابية تستهدف جميع مكونات الشعب العراقي فما اصابهم اصاب كل العراقيين وان كان لهم حصة الاسد من الاستهداف والقتل , ولكن الكارثة التي اصابت الايزيدية في سنجار بتاريخ ( 3 / 8 / 2014 ) قد غيرت جميع الموازين فقد اصبحوا خلال ساعات قليلة في مرمى نيران مقاتلي الدولة الاسلامية الذين استباحوا الحرمات وارتكبوا المجازر بحق الابرياء العزل , وقد مارست تنظيم الدولة الاسلامية اعمال وانتهاكات يدنى لها جبين الانسانية ولم يسبق ان مارستها اي عصابات او مجاميع مسلحة ولم يراعى اي قانون او عرف اخلاقي بل تحول مقاتلوا الدولة الاسلامية الى كائنات اخرى لا تمد الى الانسانية بصلة وتجردوا من كل القيم والاعراف الاجتماعية فسالت انهار من الدماء الزكية وتشرد الالاف في بقاع الارض المختلفة ففي قرية واحد اعدموا اكثر من ( 600 ) مواطن ايزيدي خلال دقائق معدودة وسبوا النساء والاطفال , فيما خيروا الكثيرين بين القتل او اعتناق الاسلام , ولولا الجبل الذي احتضن الايزيدية لما بقي منهم الكثير , انها ماساة انسانية تعرض لها مكون اصيل من مكونات الشعب العراقي ومازال يتعرض له الى يومنا هذا فمع وجود المئات بل الالاف من المختطفين والمختطفات بيد عناصر هذا التنظيم فان معاناتهم لن تنتهي , وما يؤسف له هو الصمت الحكومي و الدولي على ذلك , رغم تباهي اعلام تنظيم الدولة الاسلامية ببيع ابناء هذا المكون العراقي .
ان القدر المظلم هو سيد الموقف لابناء هذه الديانة فمنذ القدم ومصيرهم القتل والتهجير والحرمان من ابسط مقومات الحياة واليوم اضيف الى ذلك بيعهم امام انظار كل الدول والحكومات وكل منظمات حقوق الانسان وها هم يعيشون في ظروف انسانية مزرية رغم جراحهم ومعاناتهم واصبح جل غايتهم ان يحصلوا على خيمة او سقف يقيهم من برد الشتاء و حر الصيف , فما ذنبنا حين خصنا الله عز وجل بهذا الدين القويم والمؤمن بالله وبالملائكة وهل هي جريمة في نظر من جعل نفسه رقيبا على ايمان بني البشر ان يعبد الايزيدية الله بطريقتهم ام ان على الايزيدية ان يأخذوا اذنا من هؤلاء كي يمارسوا طقوس عبادة خالقهم , ان ابناء هذه الديانة القديمة والعريقة مهددون بالابادة الجماعية والانقراض على يد المجاميع الارهابية و القتلة المتعصبون وهم امام حالة من الترقب المستمر للاوضاع الامنية والعمليات المسلحة التي تقع يوما بعد يوم بالاضافة الى الافكار الهدامة التي تصدر من جهات واشخاص مختلفة تبيح وتحلل قتل ابناء الديانة الايزيدية , فهذه الافكار اشد فتكا وخطرا على حياة الفرد الايزيدي لانها تبشر قاتل الايزيدية بالجنة ونعيمها بل بالفردوس دفعة واحدة وهذا ما ادى الى تزايد موجات العنف ضد ابناء هذه الديانة ( انه التاريخ يعيد نفسه ولكن بحلته الجديدة وكأننا نسترجع ايام الدولة العثمانية وفرماناتها الدموية ) , فيالرخص ثمن الفوز بالجنة وسهولة الحصول على تأشيرة الدخول الى نعيمها وخيراتها , الجنة ذاك المكان والحلم الذي راود مخيلة الانسان وافكاره منذ مئات السنين وسهر الليالي الطوال وصام مئات الايام وبقي يتطرع الى الله معظم حياته كي يحصل على رضاه على أمل الدخول الى الجنة , اليوم اصبح مفتاحه قتل انسان ايزيدي بدم بارد دون الحاجة الى الصوم او الصلاة او حتى الى ذكر اسم الله بل تعدى ذلك كله فحتى لو كان القاتل كافرا فيكفيه ان يقتل ايزيديا لكي يفوز بالجنة , الله اكبر يا رب العالمين فالجنة ذاك المكان الطاهر النظيف يظن اوسخ بني البشر وأقذرهم وأجرمهم انهم سينالونه بقتل انسان بريء دون سبب يستوجب القتل وهم ابعد الناس الى نعيم الله ورحمته بل ان نيران الجحيم ولهيبها اقرب اليهم من أي مصير اخر , فهذه الفئة الضالة ليس لها دين ولا تمد للانسانية بصلة رغم اتخاذها من الاسلام وسيلة لنشر افكارها العنصرية , وفي ظل هذه الظروف الامنية غير المستقرة وهذه اللاوضاع المأساوية التي تمر على العراق عامة والايزيدية خاصة فأن الله وحده قادرا على حماية عباده المؤمنين من الافكار المتطرفة والعقول المتحجرة .
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

