الإيزيديون بين الإصلاح والفتنة 
خيري إبراهيم كورو
قبل خمسة أعوام تقريبا كتبت مقالا بعنوان “البيريسترويكا الإيزيدية، تفكيك المقدسات وإعادة البناء” (يمكن الرجوع إليه هنا في هذا الرابط: https://www.facebook.com/share/p/1CBE3dyC2J/)، حذرت فيه من أن ما يعيشه المجتمع الإيزيدي ليس مجرد جدل عابر، بل عملية إعادة تشكيل عميقة قد تطال جوهر الديانة نفسها. يومها قلت إن تفكيك المقدسات والمفاهيم، من دون وعي أو إدارة رشيدة، قد يقود إلى انقسامات روحية وفكرية تهدد وحدة المجتمع الإيزيدي.
واليوم، بعد مرور هذه الأعوام، يبدو أن ما كان يخشى حدوثه قد بدأ يقترب أكثر. فخلال الأيام الماضية انعقد في ألمانيا مؤتمر إيزيدي، هو الأول من نوعه بهذا الحجم في الخارج. لذلك كان التردد وعدم التركيز واضحا منذ البداية على منظمي المؤتمر حتى انهم لم يستقروا على اسم واحد للمؤتمر حتى اللحظات الأخيرة، تارة “الإصلاح”، وتارة “الحوار”، وأخيرا “المأسسة”. وكأننا أمام مسرحية متعددة العناوين. التصريحات المتضاربة حول اجندات المؤتمر جعلته ساحة صراع جديدة بدلا من ان يكون جسرا نحو وحدة الخطاب، وأثارت موجة واسعة من الجدل والريبة، وفتحت بابا آخر للتشتت في جسد مثقل أصلا بالانقسامات.
ما رفع في بدايات الحديث عن المؤتمر من شعارات براقة عن إعادة تنظيم المجتمع الإيزيدي، سرعان ما انكشف عن أجندات أكثر حساسية وخطورة. فالامر لم يتوقف عند حدود مطالب تنظيمية أو تحديث المؤسسات، بل لامس صميم البنية الدينية، المجلس الروحاني وموقع الأمير. بل ترددت أحاديث علنية عن نوايا لتأسيس مجالس ولجان بديلة، قد تأخذ مكان القيادة التقليدية، على الأقل في المهجر. هنا يطل السؤال الأخطر، هل هو إصلاح حقيقي، أم محاولة لاعادة رسم المشهد الديني والاجتماعي الإيزيدي وفق مقاسات وأجندات سياسية؟ الوطن لجهة معينة والمهجر لجهة اخرى.
ومن باب الإنصاف، لا بد من القول إن عدد من القائمين على هذا المؤتمر خدموا الإيزيدياتي في مراحل مختلفة، وقدموا جهودا كبيرة وجبارة لا يمكن إنكارها. لكنهم في هذا المؤتمر لم يظهروا كما عهدناهم، بل بدا عليهم التردد والالتباس، فاختلطت النوايا الصادقة بالشكوك، وتحولوا من دعاة وحدة إلى مصدر جدل وانقسام.
المعارضون للمؤتمر بدورهم تركوا بصمتهم، لكنها لم تكن بصمة تبعث على الفخر، تصرفات وافعال اقل ما يقال عنها انها غير حضارية وغير لائقة، غطت على كل تلك الاصوات التي كانت لها وجهة نظر محترمة وتستحق ان تسمع.
هكذا أصبح تعدد الافكار والاراء والتوجهات التي كان يمكن أن تكون مصدر غنى روحي وتطور اجتماعي الى سلاح للفرز والإقصاء. كل جهة تزعم تمثيل “الحقيقة” ويقصي مخالفيه بوصفهم متخلفين او متطرفين او ضالين أو مرتدين. والنتيجة خلاف في الراي والموقف يتحول تدريجيا إلى صراع ايزيدي ايزيدي، الى شرخ قد لا يسهل ترميمه.
هنا اطرح السؤال الذي اكرره كثيرا في خاتمة مقالاتي ، هل لدينا قيادة دينية ودنيوية تمتلك الارادة والحكمة لإدارة هذا التحول العاصف؟ أم أننا ماضون نحو تفكك أشد، يكرر ما شهدته ديانات أخرى حين استبدلت إصلاحها بفتن وصراعات لا تنتهي.
لقد بدأت البيريسترويكا الإيزيدية بالفعل، لكن وجهتها لم تحسم بعد. إما أن تكون مدخلا إلى تجديد واع ومسؤول، أو تتحول إلى شرارة فتنة تأكل ما تبقى من وجودنا الهامشي على خارطة الحياة والعالم.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية
