شارع “البيشمركة” يضيء باريس
جلال شيخ علي
في قلب العاصمة الفرنسية، حيث تتقاطع الحضارات وتُكتب فصول التاريخ، شهدت باريس حدثاً غير مألوف لكنه بالغ الدلالة: افتتاح شارع باسم “البيشمركة”، بحضور الرئيس مسعود بارزاني.
لم يكن الأمر مجرد تسمية لشارع، بل لحظة رمزية اختزلت عقوداً من النضال، وعبّرت عن امتنان دولة عظيمة لمقاتلين دافعوا عن الحرية في وجه الظلام.
أن يُخلّد اسم البيشمركة في مدينة النور، هو بمثابة إشعال شمعة جديدة في سردية الكفاح الكوردي، وتكريس لعلاقة تاريخية بين كوردستان وفرنسا، تتجاوز البروتوكول لتلامس وجدان الشعوب.
هذه الخطوة تحمل في طياتها أبعاداً سياسية ودبلوماسية عميقة، فهي بمثابة اعتراف دولي بدور البيشمركة في محاربة الإرهاب، خاصة تنظيم داعش، وتعزز من شرعية إقليم كوردستان على الساحة العالمية.
كما أنها رسالة سياسية واضحة من فرنسا إلى المنطقة، تؤكد فيها دعمها المستمر للكورد كشركاء في الاستقرار الإقليمي، وتفتح الباب أمام تعاون أوسع في مجالات الأمن والثقافة والاقتصاد، في ظل توطيد العلاقات الثنائية بين أربيل وباريس.
أما على المستوى المعنوي، فإن تسمية شارع باسم البيشمركة في واحدة من أهم عواصم العالم هو تكريم رمزي للمقاتلين الذين ضحوا بأرواحهم دفاعاً عن الإنسانية.
وقد عبّرت رئيسة بلدية باريس، آن هيدالغو، عن ذلك بقولها: “نحن مدينون للبيشمركة… قاتلوا من أجل حريتنا جميعاً”.
هذه الخطوة تعزز الهوية الكوردستانية في الوعي الأوروبي، وتُدخل اسم البيشمركة في المشهد الحضري الفرنسي، ليصبح جزءاً من ذاكرة المدينة، وإلهاماً للأجيال القادمة من الكورد بأن نضالهم لا يُنسى، وأن العالم يقدّر تضحياتهم ويخلّدها في الأماكن العامة.
حضور الرئيس مسعود بارزاني في مراسم الافتتاح لم يكن بروتوكولياً فحسب، بل حمل دلالات عميقة تؤكد على القيادة التاريخية التي لعبها في مواجهة الإرهاب، وتُبرز العلاقات الشخصية والدبلوماسية التي نسجها مع قادة العالم، والتي أثمرت عن مثل هذه المبادرات. كما أنه حمل رسالة فخر وامتنان لشعب كوردستان، عبّر عنها بقوله إن هذه الخطوة “تتويج للعلاقات التاريخية بين الشعبين الكوردي والفرنسي”.
إن افتتاح شارع البيشمركة في باريس ليس مجرد حدث عابر، بل هو فصل جديد في كتاب العلاقات الدولية، حيث تُكتب الكلمات بأسماء الشوارع، وتُخلّد البطولات في ذاكرة المدن. إنها لحظة انتصار للرمزية، وللشعوب التي لا تزال تناضل من أجل الاعتراف والكرامة.
وفي هذا الشارع، ستسير أقدام الفرنسيين والسياح، دون أن يعلموا أن كل خطوة تقطعها هناك، تمر فوق قصة نضال، وشجاعة، وكرامة كوردية.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية