عشر سنوات من الغياب.. قصة مختطفين لم يعودوا
خيري بوزاني
تخيل أنك خرجت من بيتك ذات يوم، وفجأة شعرت بأنك نسيت شيئا مهما. تتوقف. تتحسس جيبك. تبحث بعينيك، ثم تركض عائدا كأنك تركت قلبك هناك. موقف بسيط، لكن فيه توتر وارتباك، لأنك فقدت شيئا اعتدت عليه، جزءا صغيرا من يومك.
هذا النوع من القلق يحدث معنا كثيرا. حين ننسى شيئا يخصنا، نشعر بعدم الاتزان، كأننا لا نستطيع مواصلة اليوم حتى نعود ونستعيد ما فقدناه. لكن… هل فكرت يوما في الذين فقدوا أشياء لا يمكن استعادتها؟ في أولئك الذين لم ينسوا شيئا بسيطا، بل فقدوا من يحبون.
دعني آخذك إلى مكان آخر… إلى خيمة بسيطة في مخيم لا يرد بردا ولا يحمي من حر. هناك أم لم تبتسم منذ سنوات، ليس لأن الحياة قاسية فقط، بل لأنها فقدت فلذة كبدها ذات صباح ولم تعد تراها. وهناك أب فقد طعم القهوة، لأن كل فنجان يمر أمامه يذكره بوجه غائب، بصوت لم يعد يسمعه، وبيد صغيرة لم تودعه.
أتدري عن من أتكلم؟ عن آباء وأمهات إيزيديين قد خُطف أبناؤهم وبناتهم على يد جلاوزة تنظيم داعش الإرهابي، ولم يعودوا منذ ذلك اليوم. مضت سنوات، لا ساعات. سنوات من الانتظار والدموع، من الدعاء والصبر، من الأمل الذي كاد أن يتلاشى لكنه ما زال حيا.
تخيل شعور أم لم تعرف ماذا جرى لابنتها. لم ترها تكبر، لم تعرف ما إذا كانت بخير، أو إن كانت ما تزال تتنفس. وتخيل أبا لم يتح له حتى أن يقول كلمة وداع. لم يمهل ليقول لابنه: “ابق آمنا، سأكون بانتظارك”.
في كل مكان، تتشابه الخيام حين يغيب الأحبة. الوقت فيها لا يجري كالمعتاد، بل يتحول إلى ثقل خانق. الليل فيها ليس للراحة، بل لحكايات موجعة، لذكريات تهب من الذاكرة دون إنذار، لأسماء لم تعد تنادى.
ربما نفقد أشياء في حياتنا، ونشعر بالضيق. لكن هناك من فقد كل شيء. لا هاتف، لا غرض، بل إنسان. ابن أو ابنة كانوا نور البيت، واختفوا فجأة، ولم يعد لهم أثر. وجع لا يوصف، وصبر لا يقاس.
أنا لا أكتب هذا لأجعلك تحزن، بل لأدعوك للتفكير. لنتذكر أن في هذا العالم من ينتظر، من يبكي بصمت، من لا يريد شيئا سوى أن يعود من يحبهم. لا يريدوا شيئا أكثر من لمسة، من نظرة، من حضن يدفئ الذاكرة بعد طول برد.
في المرة القادمة التي تشعر فيها بأنك فقدت شيئا، ولو كان بسيطا، تذكرهم. تذكر أن هناك من لا يزال ينتظر… لا ليستعيد شيئا صغيرا، بل ليستعيد حياته كلها.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية