يونيو 19, 2025

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

خيري بوزاني: إلى متى سيظل الكوردي الإيزدي محجوزاً في خيمة الانتظار؟

إلى متى سيظل الكوردي الإيزدي محجوزاً في خيمة الانتظار؟

خيري بوزاني

ها قد مر أكثر من عقد، ومازالت الشمس تشرق على خيام بالية لا تستطيع حماية ساكنيها من الحرارة أو البرودة. هذه الخيام لا تشبه المأوى إلا من حيث الاسم، ولا تشبه أوضاع قاطنيها أوضاع النازحين إلا بالشهادات. في المخيمات، وكأنه كل شيء يبدو مؤقتاً، أصبح هذا الوضع المرير هو الواقع الدائم، والانتظار المقيت هو المصير، والوقت يشبه مصيبة أبدية. فإلى متى سيبقى الكوردي الإيزدي محبوساً في خيمة الانتظار؟ وإلى متى سيستمر العيش هناك وكأنه مشهد ممل من فيلم بلا نهاية؟.

تغير وضع مخيمات اللاجئين كما يتغير الحزن على وجوه الأمهات، وجفت دموعهم حتى أصبح البكاء شيئاً لا يمكن تحمله. الأطفال الذين يولدون في المخيمات أصبحوا شبابا، وما زالت خيمة القماش المهترئ تكون ظلهم الوحيد، والأرض الترابية هي مكان نومه ومدرسته وساحته. هل تخيل أي شخص من قادة العالم أن يربي ولده في وسط العواصف والغبار، وأن يتعلم الأبجدية من معلم يواجه خطر التهجير؟ هل فكرت الأمم المتحدة يوماً في عقد مؤتمر عالمي تحت خيمة في شنكال، أو محادثة في مخيم شاريا أو خانكي، لفهم ماذا يعني أن تُجتث من أصولك وتُترك في الفراغ؟.

العديد من الحكومات التي تفتخر بالقيم الإنسانية، والمنظمات التي ترفع شعارات الرحمة، تنظر إلى مخيمات الإيزديين بنفس الطريقة التي ينظر بها السياح إلى الآثار القديمة، يشعرون بالحزن لبعض الوقت ثم يغادرون. لم يتبق من الوعود الدولية إلا آثارها، ومن زيارات الوفود مجرد صور، ومن الخطط التنموية تقارير تُركن على الرفوف ككفن لوطن ميت. هل انتهت المهمة؟ هل كان الإيزدي مجرد أداة تستخدمها السياسة في الحروب؟ وعندما انتهت النيران، هل انتهت النوايا أيضاً؟.

أيها المجتمع المتقدم، الذي يهتم بالحرب في أوكرانيا، ويتألم من الزلزال في تركيا، ويستجيب لكوارث أوروبا وغزة.. ألا تعلم أن في العراق أناساً لايزالون يعيشون في الخيم منذ عام 2014؟ شعب لم تُهجر قراه، ولم تُعد بناته، ولم يُحاسب قتلة أبنائه؟ هل تساءلت حكومتك، أو حكومتنا، أو حكومة الجيران: لماذا لم تترجم اتفاقية أربيل وبغداد حول سنجار على أرض الواقع؟ لماذا لم تُبنَ سنجار حتى الآن؟ لماذا لم تُطبق المادة 140؟ لماذا لا توجد بنية تحتية تجعل الحياة كريمة؟ لماذا لا تزال الخيمة هي العنوان، والموت هو الرسالة، والغياب هو اللغة السائدة؟.

أيُّ عدالةٍ تلك التي تُفرِّق بين نازحٍ وآخر، وأيُّ إنصافٍ يُبنى على توازنات المصالح لا على مبادئ الحق؟ كأنما الإيزدي كُتب عليه أن يكون الضحية الأزلية لكل الحروب، ولكل اتفاقٍ لا يراه، ولكل تسويةٍ لا تُنصفه. أهو مُقدر له أن يُباد، ثم يُهجَّر، ثم يُدفن في النسيان كأنّه لم يكن؟ لم تعد خيمته مجرّد مأوى مؤقت، بل صارت شاهداً على خذلانٍ طويل، قبراً مؤجلاً تنتظر فيه الكرامة أن تُبعث من رماد الخوف.

عارٌ على الضمير الإنساني أن يمرّ أمام تلك الخيمة دون أن يتوقّف، دون أن يسمع صرخةً تقول: الإيزدي لا يطلب شفقةً، بل عدالة. لا يريد دمعةً تُذرف، بل حقاً يُستعاد. لا ينتظر صدقةً تُلقى، بل كرامةً تُصان.

فلترتفع الخيام لا بقراراتٍ مؤقتة، بل بفعلٍ يُنهي الانتظار. فليُكتب الفصل الأخير من هذه المأساة لا على أوراق المؤتمرات، بل على تراب الأرض التي تستحق أن يحيا عليها الإنسان بكرامة، لا كلاجئ في وطنه، بل كمواطنٍ متجذر في تاريخه، حيّ في ذاكرته، ومستحقّ لحاضره ومستقبله.

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi