تفكيك البندقية.. هل طوى حزب العمال الكوردستاني صفحة الكفاح المسلح؟
خيري بوزاني
في خطوة أثارت الكثير من الجدل، أعلن حزب العمال الكوردستاني إنهاء وجوده أثناء مؤتمره الثاني عشر. هذا الإعلان لم يكن مجرد قرار إداري، بل كان زلزالاً سياسياً أدى إلى تحولات كبرى في هيكل الحركة الكوردية وأثر بشكل عميق في نفوس الجماهير في تركيا. ترى هل يمثل هذه الخطوة نهاية، أم أنها بداية لرؤية جديدة وتوجه مختلف، يمكن أن يقودها الحوار بدلاً من العنف، مع التركيز على التعبير عن الهوية الكوردية بطرق محدثة؟
انتشرت أخبار هذا القرار بسرعة من جبال قنديل إلى ديار بكر، ومن منصات الإعلام إلى المنازل في جزيرة وسيرت، لكنه هذه المرة لم يأت كنيران تُدمر الحياة، بل كان أشبه بشعاع يمنح الأمل والطمأنينة. يبدو كاعتراف بأن الكرامة لا تأتي من خلال فوهة البندقية وحدها، وأن الطموح الكوردي لم ينطفئ، بل اتخذ شكلاً جديداً، قد يتجلى في فكرة مطروحة، أو قصيدة مكرّسة، أو عمل فني مُبتكر، حيث يسعى الصوت الكوردي الجديد لإيجاد مكان له في ضمير الوطن.
لا يمكن فصل هذا القرار عن التحولات الاجتماعية بين الأجيال الكوردية الجديدة. هذه الأجيال لم تعد ترى المعاناة ممتدة إلى الأبد، بل تؤمن بالتغلب عليها. فقد قرروا أن النضال لا يكمن فقط في المواجهات، بل أيضاً في السعي اليومي لبناء مستقبل جديد ينسجم مع روح العصر التي تقيس القوة بالتأثير، وليس بالعنف، وفي القدرة على البناء بدلاً من الهدم، وفي طرح الأفكار بعيداً عن النزاعات.
الجبال التي كانت رمزاً للشجاعة أصبحت الآن تمثل العزلة والانفصال. بالنسبة للكثير من الكورد، أصبح مفهوم الوطن يتمحور حول السياسة والمشاركة العامة بدلاً من التراتبية والانعزال. ولم يعد الاعتراف يُطالب كصرخة من الأعالي، بل كحق مشروع يُطرح في الساحات العامة.
ورغم ذلك، فإن الطريق نحو التغيير ليس سهلاً. في بلد ما زال ينظر إلى التعددية بعين الشك، حيث يُعتبر الانفتاح القومي تهديداً محتملاً، يمكن أن يُفهم أي توجه نحو السلام على أنه تراجع أو استسلام. لذلك، تثير المرحلة القادمة تساؤلات معقدة: هل ستستفيد الدولة التركية من هذه اللحظة لتحويلها إلى فرصة للتفاهم؟ أم أنها ستستخدمها لتعزيز سلطتها؟
نحن نعيش فترة نادرة في تاريخ العلاقة بين الأتراك والكورد، وهي فرصة حقيقية لتفكيك الأزمات من جذورها وليس فقط لإدارتها. يجب ألا نختصر القضية الكوردية على الجوانب الأمنية فقط؛ ينبغي النظر إليها كقضية حقوق وهوية تستحق الاعتراف الكامل. تجاهل هذا الصوت المدني الجديد الذي يدين العنف ويسعى إلى المشاركة لن يؤدي إلا إلى خلق فراغ خطير قد تملؤه الأصوات المتطرفة واليائسة.
الجميع يتحمل المسؤولية الآن: الدولة، النخب السياسية، المثقفون، وكل من لديه القدرة على التأثير أو الفعل. لدينا خياران: إما إعادة بناء العلاقة على أسس جديدة من العدالة والمواطنة، أو العودة إلى دائرة التوتر والعنف والإقصاء.
ربما، وربما فقط، إذا أصغينا بعناية، سنسمع الصوت الكوردي الجديد يصدح من خلال الفرق الموسيقية التي تقيم مهرجاناتها، ومن الشعراء الذين يلقون قصائدهم في المقاهي الصغيرة، ومن الفنانين الذين يعرضون أعمالهم في معارض بسيطة، ومن الطلاب الذين يناقشون الهوية والسلام، ومن الأطفال الذين يرسمون وطناً بألوان خالية من الدماء.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية