يونيو 15, 2025

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

محمد شمس الدين بريفكاني: تفجيرات أربيل الهدف والرسالة

تفجيرات أربيل الهدف والرسالة
محمد شمس الدين بريفكاني
بالرغم من أن كوردستان محاطة من كل الجهات بدول { تركيا ـ إيران ـ سوريا ـ العراق } نستطيع أن نسميها معادية تأريخيا وتقليديا لطموحات الشعب الكوردي، وقد وقفت هذه الدول في كل المراحل التأريخية ولا تزال بصلابة, بل وبكل قوتها وإمكانياتها العسكرية والسياسية والإقتصادية بالضد أمام الحركات الثورية والتوجهات النضالية للشعب الكوردي من أجل نيل حقوقه القومية المشروعة, خاصة عندما يتعلق الأمر بالتحرر والسيادة والتوجه نحو الإستقلال. ومن أجل إسكات الصوت الكوردي الصارخ, وتكبيل إرادته وإجهاض ثوراته التحررية, إنتهجت هذه الدول خاصة في القسم الجنوبي من كوردستان الواقع ضمن العراق, كل الوسائل الإجرامية واللا إنسانية الخبيثة والغير المشروعة، وإستخدمت جميع الأسلحة المتوفرة لديها, حتى المحرمة دوليا كالنابالم والغازات السامة, التي أسفرت عن مذابح وعمليات قتل وإبادة جماعية, راح ضحيتها مئات الآلاف من المواطنين الكورد الأبرياء, هذا بالإضافة إلى المحاولات الخبيثة لطمس الهوية القومية وتغيير الواقع الديموغرافي للمناطق الكوردية, من خلال عمليات حرق وتدمير المدن والقرى وتغيير أسماءها وترحيل سكانها.
لكن هل نجحت تلك السياسات العنصرية الشوفينية في تحقيق أهدافها ؟ وهل لازال خطرها قائما يهدد أمن وسلامة كوردستان أرضا وشعبا ؟
بالتأكيد لم تنجح تلك السياسات الفاشية في أية مرحلة تأريخية, ولم يكن نصيبها سوى الفشل الذريع, وتلقي الهزائم العسكرية, وتكبد الخسائر البشرية الفادحة في صفوف قواتها ومعداتها وإقتصادها, كما حدث سنة 1975 بعد تجدد القتال بين القوات الكوردية ونظام البعث المقبور بسبب عدم إلتزامه بتنفيذ بنود إتفاقية 11 آذار سنة 1970 التي نصت على الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان, والتي كانت إنتصارا وتحقيقا لأهداف ثورة أيلول المجيدة التي إندلعت سنة 1961.
حينها ولا زلت أذكر شخصيا أعلن صدام حسين وبشكل رسمي ومن على شاشة تلفزيون بغداد, بأن القوات العراقية لم يتبقى لديها القدرة ولا الأسلحة للإستمرار في قتال القوات الكوردية، مما إضطره إلى عقد إتفاقية الجزائرالمشؤومة سنة  1975 مع شاه إيران, وبمساعدة ووساطة الرئيس الجزائري آنذاك هواري بومدين، تلك الإتفاقية الذليلة التي تنازل فيها صدام عن الكثير من الأراضي والمياه والكرامة العراقية بهدف القضاء على الإرادة والثورة الكوردية.
ولو على حساب كرامته وكرامة العراق, توهم صدام بأنه حقق نصرا كبيرا على الشعب الكوردي وأخمد ثورته، لكنه لم يهنأ بذلك الوهم طويلا, حيث إندلعت من على جبال كورستان ثورة كولان المباركة التي ووجهت من قبل النظام البعثي بأقسى وأقذر عمليات القتل والإبادة والأنفال, لكنها بالرغم من ذلك تكللت بالإنتصار, ووصلت إلى تحقيق أهدافها, من خلال إنتفاضة كورستانية شعبية واسعة في آذار سنة 1991  تم على أثرها طرد جميع فلول النظام البعثي الفاشي من كل أراضي كوردستان وإلى الأبد, ووضعت الأسس السليمة والبنية التحتية الراسخة في جميع المجالات والميادين السياسية والإدارية والقضائية والإقتصادية والتعليمية, التي ستقوم عليها الدولة الكوردية لا محالة.
لقد كانت العوامل الأساسية لإنتصارات الشعب الكوردي في كل مراحل تأريخه النضالي المشرف هي شجاعته وصلابته التي كانت الصخرة التي تحطمت عليها جميع مخططات ومؤامرات الأعداء, وقوة إرادته المنبثقة من إيمانه بعدالة قضيته ومشروعية حقوقه القومية, وإستعداده الدائم للتضحية من أجل حريته وتحقيق أهداف ثورته. والكل يعلم كم دفع الشعب الكوردي على طريق حريته من الدماء الزكية التي سالت على أراضي كوردستان وإمتزجت بترابها، وكم دفع من قوافل الشهداء الذين أصبحت أرواحهم الطاهرة نجوما وكواكب تتلألأ في سماء كوردستان.
اليوم والشعب الكوردي يتمتع بحريته الكاملة, ويمارس حقوقه القومية, ويعيش حياة هانئة ومستقرة في أجواء الإنفتاح والديمقراطية والإزدهار والإنتعاش الإقتصادي, ويسير بخطى ثابتة نحو تحقيق سيادته الكاملة وصولا إلى غده المشرق وإعلان دولته المستقلة, لاينسى أبدا تلك التضحيات الجسام وذلك الثمن الباهظ لهذه الحرية وهذا الإستقرار, هذه التضحيات التي أصبحت ملاحم وموروثا تأريخيا وإنسانيا حفر عميقا في الوجدان الكوردي, وهي أمانة ودين في أعناق الجميع, علينا أن نكون أمناء وأوفياء لهذا الدين, من خلال وحدتنا ورص صفوفنا, والوقوف جنبا إلى جنب مع حكومتنا وكل المخلصين من أبناء شعبنا الكوردستاني بكل مكوناته وأطيافه في الحفاظ على ديمومة عوامل السلام والإستقرار والأمن, ونشر ثقافة التسامح وتعزيز أواصر ومبادئ الأخوة والتعايش المشترك, والوقوف صفا واحدا أمام مخططات ومؤامرات الأعداء الذين يتربصون بنا وبتجربتنا الديمقراطية الفدرالية, بعد أن غيروا أساليبهم وتكتيكاتهم, متوهمين بأنهم سيتمكنون من الإجهاز على تجربتنا أو على الأقل وضع العصي والعراقيل والمعوقات أمام حركة تطورها المتسارعة التي باتت تخيفهم.
الكل يعلم بأن أقليم كوردستان قطع أشواطا بعيدة وواسعة وراسخة من التقدم والتطور في كافة المجالات, وتجربته الديمقراطية أصبحت واحدة من أنجح التجارب في منطقة الشرق الأوسط، وأصبح الأقليم واحة وداعما للأمن والسلام والإستقرار في المنطقة، وعليه فبإنتهاج الأقليم سياسة ديمقراطية واضحة، وإعتماده إقتصاديا على الإستفادة من الخزين النفطي الهائل في أراضيه, وتعاقده مع كبريات شركات النفط العالمية الأمريكية والأوربية لإستخراج وتسيوق النفط, وتواجد المئات من شركات الدول الأقليمية والعربية والعالمية العاملة في مختلف المجالات خاصة العمرانية,
والنقطة الأهم تواجد مكاتب الأمم المتحدة, ومكاتب وقنصليات الكثير من دول العالم في عاصمة الأقليم الذي يرتبط معها بعلاقات دبلوماسية مبنية على الإحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
لكل هذه الأسباب أصبح مجرد التفكير بالإعتداء أو شن عدوان عسكري على أقليم كوردستان من أية جهة خارجية وتحت أية ذريعة أمرا مستحيلا بل وخارج عن نطاق التفكير, ولا أعتقد بأن هذه الحقيقة خافية على أحد, خاصة الذين يكنون لشعبنا وأقليمنا الشر والعداء, سواء من دول الجوار التي يعيش على أراضيها ملايين من أبناء شعبنا الكوردي الذين ينظرون إلى أقليم كوردستان كنموذج يجب أن يقتدو به, أو بعض الدول أو المنظمات الإسلامية, التي قد تضع في حساباتها إيجاد موضع قدم لها على أراضي الأقليم, كبداية لتأسيس كيان أو دولة إسلامية متشددة.
لذلك أقول وبإقتناع تام ومطلق بأنه لا خوف على كوردستان والشعب الكوردي من الخارج أبدا, لكن الخوف كله للأسف قد يأت من داخل الأقليم، من جماعات أو فئات حزبية أو سياسية إسلامية سلفية تحمل في حقائبها برامج وأجندات مشبوهة, مرتبطة بجهات خارجية معادية تهدف إلى تقويض تجربتنا الديمقراطية من الداخل بأية وسيلة, سواء تحت إسم المعارضة, أو بإسم الإسلام، وهنا تجدر الإشارة إلى القول بأن المعارضة السياسية الوطنية البناءة حق ديمقراطي مكفول للجميع, وظاهرة حضارية صحية وديمقراطية تمارس في جميع الدول المتحضرة, وكذلك الإسلام هو دين غالبية شعب كوردستان, ومن حق ممثلي الأحزاب الإسلامية أن يكون لهم ممثلين في برلمان كوردستان، لكن بعيدا عن التطرف والمغالاة والإرتباط بجهات خارجية معادية وتلقي الأوامر والتوجيهات منهم.
لكن للأسف فبعض الأطراف السياسية في كوردستان تعمل تحت إسم المعارضة وترفع شعارات الديمقراطية على طريقتها  الخاصة، ليس حرصا على العملية السياسية وتطوير كوردستان وتقديم الخدمات للشعب الكوردي, لكن لتحقيق أهدافها الخاصة والوصول إلى السلطة وتحقيق أجنداتها الخاصة. كذلك بعض الجهات والأحزاب الإسلامية السياسية التي تعمل أيضا وفق أجندات خاصة بها تضع الدين في مقدمة أولوياتها قبل الوطن والقومية،
ستحاول هذه الفئات بكل الوسائل الدنيئة والبعيدة عن الشعور بالمواطنة والمسؤولية المتاجرة بدماء وتضحيات أبناء شعبنا الكوردي، والعبث والمجازفة بحاضره ومستقبله, والعمل على خلخلة الأوضاع الأمنية في الأقليم سواء بالتحريض على التظاهر ضد حكومة الأقليم والدعوة إلى ربيع كوردي على غرار الربيع العربي وهم يعلمون بأن الربيع الكوردي بدأ في إنتفاضة آذار سنة 1991. أو القيام بأعمال إرهابية غادرة كما حدث في 29 ـ 09 ـ 2013 حين هاجم إرهابيون وزارة الداخلية ومديرية الآسايش بالسيارات المفخخة والأسلحة النارية في عملية إنتحارية أدت إلى إستشهاد ستة من
أفراد الأمن وجرح العشرات. هذه العملية الإرهابية الجبانة هزت أربيل الآمنة منذ سنوات كما هزت جميع مدن كوردستان وأصدقاء الشعب الكوردي في كل مكان تضامنا مع أربيل. وأيقضت الشعب الكوردي ووضعته في مواجهة الخطر والتحديات التي لا زالت قائمة تتربص به وبأقليمه.
لقد كانت هذه العملية الجبانة تحديا خطيرا لحكومة الأقليم, وتهديدا لحالة الأمن والإستقرار, وخرقا كبيرا لقوى وأجهزة الأمن في أربيل. أسئلة كثيرة تطرح نفسها وعلامات إستفهام كبيرة ترتسم في الأفق. من هؤلاء؟ من أين جاؤوا؟ كيف دخلوا؟ من آواهم وإحتضنهم وساعدهم؟ كيف وأين هيأوا سياراتهم وفخخوها؟
لماذا إختاروا المعقلين الحصينين وزارة الداخلية ومديرية الأمن؟ هل كانت العملية إعتباطية, والتوقيت فيها كان مصادفة؟ وماذا كان الهدف منها, وأسئلة أخرى كثيرة لا تخفى على المحللين والمحققين.
بالرغم من أن جميع المهاجمين قتلوا وإن البعض قال بأنها فشلت، لكني كمحلل ومتابع أقول بأن العملية الإرهابية نجحت وحققت أهدافها بالكامل. فهي قبل كل شئ كانت عملية إنتحارية صرفة لم يكن ممكنا أن يكتب لها النجاح. ولم يكن أمام مرتكبيها أية فرصة للهرب حتى لو نجحوا في إلسيطرة على بنايتي وزارة الداخلية والأمن, لأن البنايتان قائمتان في وسط أربيل, وكانت ستطوق في الحال ويتم القضاء على جميع المهاجمين.
وتوقيت العملية أو بالأحرى إختيار الزمان والمكان لم يكن إعتباطيا, بل كان مدروسا ومختارا بعناية تامة، فالزمان كان بعد إنتخابات برلمان كوردستان وعدم تحقيق الأحزاب الإسلامية النتائج التي كانوا يتوقعونها، الهدف معقل القوة الكوردية المتمثل بالشرطة والأمن المسؤولة عن حماية أمن وسلامة المواطن الكوردستاني في الداخل.
لقد كان بإمكان المخططين لتلك الجريمة الإرهابية الإنتحارية إختيار أماكن أخرى في أربيل مزدحمة بالمواطنين المدنيين الأبرياء, مثل سوق شيخ الله التجاري أو أمام المولات المنتشرة في أربيل، وبسيارات مفخخة فقط بدون إرهابيين، وبدون خسائر بشرية من جانب تلك الفئات، كانت النتيجة بالتأكيد ستكون أكثر دموية وكارثية, من حيث عدد القتلى الذين كان معظمهم سيكونوا من المدنيين, بينهم طبعا الكثير من النساء والأطفال.
لكن لم يكن ذلك هو الهدف، بل كانت هناك رسالة واضحة وقوية أريد إيصالها إلى حكومة الأقليم، وقد تم لتلك الجهات ما أرادت, وحققت هدفها وأوصلت الرسالة, أما المهاجمون فقد كانوا مجرد بيادق أو أدوات لإيصال تلك الرسالة التي تقول نحن هنا نتواجد على أرض الأقليم بقوة لا تستهينوا بنا, نستطيع أن نفعل ما نريد في المكان والزمان الذي نريد…
أتمنى أن تكون حكومة الأقليم قد فهمت وإستوعبت الرسالة, وأعدت الإجابة المناسبة والرادعة لهذه القوى الإرهابية الشريرة المنحرفة, وحاضناتها وخلاياها النائمة التي تشكل تهديدا مباشرا وخطيرا على أمن وسلامة المواطن الكوردستاني، وأيضا على حاضر ومستقبل أقليمنا وتجربتنا الديمقراطية, وعائقا كبيرا أمام تطلعاتنا نحو غد أفضل لأبناء شعبنا وأقليمنا الذي يسير بخطى حثيثة على طريق تأسيس دولته الكوردية المستقلة.
المانيــــــــــــا
yusufgerman@yahoo.com

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

١ تعليق

  1. نزارمزوري

    انت صادق وتصدق ليت الاكراد يحصلو على حقهم وحقوقهم في اقامة دولتهم الكرية وليضرب اعداء الاكراد رؤوسهم في عرض الحائط وننتهي منهم وننضر الى مستقبلنا ومستقبل اولادنا بعيدا عن قال وقيل من اعداء الشعب الكردي نحن الاكراد تعلمنا ونعلم اولادنا على القيم الاسلامية والانسانية لكي ينعمو بلحيات الطيبة بعيدا عن العنف والجهل الذي يمتلكهو اعداء الكرد

    الرد

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi