مارس 29, 2024

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

كفاح محمود كريم: بين الأنفال والرفحاء.. آلام الماضي ومرارة الحاضر

بين الأنفال والرفحاء.. آلام الماضي ومرارة الحاضر

كفاح محمود كريم

مرت خلال الأيام الماضية ذكريات مأساوية مؤلمة تعرضت لها البلاد من كوردستانها وحتى وسط وجنوب سهلها العظيم، حيث واجهت شعوب العراق ومكوناته كوارثاً وفواجعاً كبيرة،

كانت أكثرها مأساوية تلك التي بدأت بعمليات الإبادة الجماعية للكورد في سبعينيات القرن الماضي، حيث استهدف النظام الكورد الفيليين الذين فقدوا عشرات الآلاف من خيرة شبابهم وهجّر الباقين منهم إلى خارج العراق بعد سلّبهم كلّ ممتلكاتهم ومقتنياتهم لا لشيء إلا لكونهم كورداً، ثم تلى تلك العملية بعد أقل من عشر سنوات حملة إبادة البارزانيين في عام 1983 حيث بلغت أعداد المغيبين إلى الأبد ثمانية آلاف مواطن من الذكور حصرياً، معتقدين باستهدافهم للذكور في هذه العشائر إطفاء قدحة المقاومة والثورة لدى هذا الشعب وإبادة تلك الجينات المحركة للمقاومة والكبرياء.

وما أن انتهت تلك الجرائم البشعة حتى بدأت مرحلة الأنفال الكبرى وهي إحدى أخطر عمليات الإبادة الجماعية التي نفذها النظام العراقي السابق سنة 1988 في كوردستان العراق، وقد أوكلت قيادة الحملة إلى علي حسن المجيد الذي كان يشغل منصب أمين سر مكتب الشمال لحزب البعث العربي الاشتراكي وبمثابة الحاكم العسكري مطلق الصلاحيات في المنطقة، وقد أطلق على تلك الحملات اسم “الانفال” نسبة للسورة رقم 8 من القرآن الكريم، والأنفال تعني الغنائم أو الأسلاب، والسورة الكريمة تتحدث عن تقسيم الغنائم التي أخذت من الكفار بين المسلمين بعد معركة بدر في العام الثاني من الهجرة، وقد قام بتنفيذ تلك الحملة قوات الفيلقين الأول والخامس في كركوك وأربيل مع قوات منتخبة من الحرس الجمهوري بالإضافة إلى قوات الجيش الشعبي وأفواج ما يُسمى بالدفاع الوطني التي شكلها النظام العراقي آنذاك من الكرد لمحاربة أبناء جلدتهم. وقد تضمنت العملية ست مراحل وانتهت بالمرحلة الأخيرة في منطقة بهدينان في 6 أيلول 1988، وكانت نتائجها تدمير آلاف القرى والبساتين وتهجير نصف مليون مواطن وإسكانهم في مجمعات وقرى أشبه بالمعتقلات، واعتقال 182 ألفاً من الأطفال والنساء والرجال ونقلهم إلى جنوب ووسط العراق وإبادتهم هناك.

وفي الجانب الآخر وتحديداً بعد هزيمة الجيش العراقي في الكويت وانتكاسة انتفاضة الجنوب والوسط نفذ النظام حملة ظالمة استهدفت المنتفضين الشيعة وعوائلهم حيث قتل الآلاف من الشباب المعارضين برميهم في النهر، وآخرين ألقي بهم من مبانٍ مرتفعة وتم التمثيل بجثث القتلى بعد إعدامهم، وتعرض آخرون للحرق أو الاغتصاب أو التعذيب، وهو ما دفع آلاف المشاركين في الانتفاضة وعوائلهم إلى اللجوء للمملكة العربية السعودية، التي استقبلتهم في محافظة الرفحاء وبنت لهم مخيماً لائقاً بالقرب من الحدود العراقية، وبقي هذا المخيم موجوداً حتى عام 2006 عندما أغلقته السلطات السعودية، بعد حصول العديد منهم على إقامات في الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا وكندا والدنمارك وفنلندا وهولندا وسويسرا والسويد، وهناك اختلاف في أعدادهم إذ تشير أرقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلى حدود 21 ألف شخص خلال سنوات 1991-2003، فيما تشير أرقام وزارة الخارجية السعودية إلى 35 ألف شخص. واليوم يستفيد من الامتيازات المخصصة لهم أكثر من 150 ألف شخص، حيث منح قانون خاص بهم رواتب لكل من أقام في ذلك المخيم ولو لمدة أسبوع واحد، سواء أكان رب العائلة أو فرداً من العائلة، بحيث تم تحديدها بنحو مليون ومئتي ألف دينار عراقي، إضافة إلى شمولهم بالعلاج والسفر والدراسة المجانية على نفقة مؤسسة السجناء السياسيين، مع منحهم قطع أراض ووظائف لأبنائهم.

وفي المقابل تجاوز عدد ضحايا النظام السابق من الكورد الربع مليون شهيد من الأطفال والنساء والشيوخ الذين لم يتم تعويضهم بالمطلق سواء ضحايا الكرد الفيليين أو ضحايا عشائر البارزانيين أو ضحايا حلبجة والأنفال مع تأكيد مواد دستورية بتعويضهم إلا أن الحكومة العراقية لم تعوضهم رغم مطالبات برلمان الإقليم وحكومته ورئاسته منذ 2005 وحتى يومنا هذا. ومن هنا ندرك المأساة الكوردية والتعاطي مع قضاياها حيث الكيل بمكيالين عنصريين طائفيين حرمتهم من أبسط حقوقهم، حالهم حال أقرانهم من المواطنين العراقيين في تعويض ضحايا النظام السابق.

وبمقارنة سريعة بين تكريم وتعويض ضحايا انتفاضة الجنوب والوسط مع ضحايا الكورد في مأساة الفيليين والبارزانيين وحلبجة والأنفال، ندرك حجم الظلم والغبن وحقيقة التفرقة العنصرية المقيتة في التعامل مع الكورد وقضاياهم، رغم أن الدستور نص على تعويض جميع ضحايا النظام السابق بالتساوي إلا أن ضحايا ومتضرري النظام السابق الذين شهدوا كل مآسي الكورد هم الذين حرموهم هذه المرة من كل حقوقهم!؟

وبعد ذلك يأتي مَن يسأل الكورد: لماذا الاستقلال أو كما يفهمونه الانفصال!

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi