يوليو 23, 2025

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

فوزي الاتروشي: لهذه الاسباب يستحق اقليم كوردستان العقوبة

لهذه الاسباب يستحق اقليم كوردستان العقوبة
فوزي الاتروشي
ببساطة ودون لف ودوران أو وضع النقاط على الحروف أو تحتها فالامر واضح وضوح الشمس في رابعة النهار. بعض الاطراف الفاعلة في العملية السياسية لا تقرأ الحاضر وقد غلقت بوابة المستقبل وارتكنت إلى الماضي بكل مافيه من قبح وسوء متبنياً المقولة الشهيرة “التاريخ يعيد نفسه”, دون ان يدرك ان هذه الاعادة لن تكون سوى نسخة هزلية مشوهة لاتمت للأصل بصلة الا لجهة سوء النية التي من وراء استعادة التاريخ.
اقليم كوردستان يتلقى هذه الايام العقوبة تلو الاخرى من المركز وهو في الواقع تلقاها على اقساط منذ عام 2003، والفارق ان الجرعة ازدادت مؤخراً لجهة الكمية وليس النوع.
ففي الوقت الذي نردد يومياً مقولة “قطع الاعناق ولا قطع الارزاق” تصر الحكومة على وقف نسغ الحياة عن المواطنين في الاقليم وقطع الرواتب عن ابرياء ليس لهم سوى كدهم وعملهم يعيشون عليه، وبين حينٍ وآخر توجه وزارة النقل ضرباتها إلى الانتعاش الحاصل في مطارات الاقليم فتمنع عنها تارة الرحلات التركية أو الالمانية أو السويدية دون ان تكلف نفسها عناء التحاور والتداول مع سلطات الاقليم، اما وزارة النفط فهي صماء بكماء ولا تحاور ولا تجيد الا لغة القوة والغلبة وجمع كل الاوراق البترولية بيدها لإجبار الآخرين على الاستجداء ضاربة بالدستور عرض الحائط.
ولن نحاول اجراء جرد احصائي للشوائب التي يرميها البعض في العلاقة التي يفترض انها خضراء بين العرب والكورد والمكونات الاخرى، لان هذا الجرد في النهاية يؤدي إلى اثبات اننا في دولة مركزية لاتترك للاطراف الا اقل قدر من الصلاحيات، اما مايمارسه الاقليم فنتيجة قوته الذاتية على الارض وليس برغبة وقناعة من المركز.
نأتي إلى صلب الموضوع لنقول ان الاقليم يستحق العقوبات لانه منذ عام 1990 كيان شبه مستقل ولكنه دأب على القول “انه جزء من العراق”،  ولكن العراق الديمقراطي الفدرالي البرلماني المدني وهذا مالم يتحقق ولا امل بتحقيقه عاجلا.
ولأنه بقي حاضنة لكل القوى والشخصيات والكفاءات العراقية التي تقيم فيه للدراسة والعمل والانتاج، بل ذهب إلى ابعد من ذلك ليكون ملاذاً لكل النازحين من جحيم الدكتاتورية في سوريا أو من آفة الإرهاب في المدن العراقية، أو بحثاً عن مصدر آمن في منطقة آمنة ومستقرة، واصبحت الموقع رقم (20) بين المناطق السياحية الاكثر جذباً للسياحة والاستثمار في العالم.
وهو يستحق العقوبة لأن خطابه وطني انساني ديمقراطي لايعترف بالتمايزات القومية والدينية والطائفية والسياسية، فاللغة السريانية العريقة تنتعش هناك وكذلك التركمانية, وتقرر لاول مرة في تاريخ العراق تدريس الديانة الايزيدية, والجامع والكنيسة يتعانقان وآلاف المسيحيين الهاربين من مد الإرهاب ومد التكفير يعيشون فيه وهذا حقهم لانه جزء من وطنهم العراق, وكل الديانات والطوائف تلقى نفس الاهتمام دون سيادة واحدة وتكفير وتخوين وتنجيس الاخر المختلف.
وهو يستحق العقوبة لانه نجح في ان يكون حاضنة لنجوم الفكر والفن والادب والسينما والموسيقى من العراق ومن الدول العربية, وتحولت محافظاته الثلاث اربيل والسليمانية ودهوك إلى منارات كل واحدة منها تحت عنوان مختلف للتنمية, فالاولى عاصمة سياسية تنشد ان تكون دبي العراق, والثانية عاصمة ثقافية بامتياز، ودهوك مدينة الاقتصاد والسياحة تنام بقلبها الابيض، على تخوم الجبل الابيض، وهذا مالا يروق لمن يعيد ويقدس مقولة اللغة الواحدة والزي الموحد والرأي الواحد والفكر القائم على ساق واحدة. والاقليم يعاقب لانه اثرى الحياة الاجتماعية والاقتصادية-والثقافية وجعل اللغة الكوردية تتطور بخطى متسارعة، بعد ان كانت على مدى عقود مقموعة، اما النتاج الثقافي فأصبح مضاعفا بشكل لايصدق لجهة الكتاب والغناء والموسيقى والسينما والمسرح والنشاط الفكري المتنور، فدور النشر والترجمة العائدة للقطاع العام والخاص والفضائيات الكثيرة والمتنوعة والمتخصصة، والجامعات التي تجاوز عددها الـ(16) جامعة باللغات الكوردية والعربية والتركية والانكليزية اغنت الحياة العلمية والتربوية في الاقليم.
ولهذا لابد من وقف عجلة الحياة وقطع شريان الدم عنها لتكون تابعة صغيرة وذليلة لدوائر المركز المعطلة عن العمل والغارقة في فساد اداري ومالي بأبشع صوره.
وابعد من هذا وذاك فالإقليم يعاقب لأن قادته هم اول الزائرين لبغداد حينما كانت تحترق بعيد التحرير، وكنا من اللذين رافق الاخ مسعود البرزاني رئيس الاقليم إلى بغداد وحينها كانت الدولة منهارة والمؤسسات والوزارات مغلقة والحياة متوقفة، ورغم ذلك كان خطاب البرزاني وطنياً موجهاً لإعادة الحياة إلى مفاصل الدولة ولضخ دم العلاقة الكوردية العربية من اجل العمل لبناء دولة عصرية وديموقراطية تتسع للجميع دون اقصاء أو استثناء احد. فالكورد في المعارضة وفي مجرى اعادة الحياة للدولة العراقية بعد 2003 كانوا الوتد الاساسي الاكثر متانة وقوة، ولهذا بدلاً من الاعتراف والشكر وابداء الاعتذار لضحايا ابشع الجرائم في التاريخ في حلبجة وعمليات الانفال وحرق اكثر من 4500 قرية في كوردستان، نقول بدلاً من ذلك اصبح الاقليم “ضرّة” ينظر اليه بحسد تارة وتارة ببغض وتارة اخرى بمحاولة تجييش العواطف الشعبية ضده.
والاقليم يعاقب لأنه صار ملاذاً للثقافة العراقية المتلائمة مع العالم بعيداً عن شرنقة العرق والدين والطائفة والقوالب الجاهزة، وايضاً لأنه متغير غير ساكن ومتصل بالعالم المتحضر عبر التمثيل الدبلوماسي ووشائج الصداقة مع كل دول الجوار الاقليمي ودول العالم، والمنظمات الاقليمية والدولية، اضافة إلى علاقته العميقة مع محافظات الوطن ولاسيما البصرة التي احتفلت قبل ايام باربيل عاصمة السياحة العربية، وميسان التي تتعانق مع اربيل في نموها والنجف التي استضافت الملتقى الثالث للثقافة الكوردية العرربية، وبغداد التي اقامت مهرجانات الثقافة الكوردية وملتقى الافلام الكوردية، وهي المدينة القائمة تاريخياً على التنوع العرقي والثقافي والحضاري والديني ولايجوز لأي كان ان يصادر لوحده وجهها وتاريخها، والانبار التي وجد ابناءها بعشرات الالاف ملاذهم الآمن في الاقليم لحين عودة المياه إلى مجاريها في محافظتهم العزيزة.
كل هذا مبعث سعادة واطمئنان شعبياً، ولكنه مبعث عقوبة وازدراء لدى البعض. لكل هذه الاسباب ولغيرها الكثير يستحق الاقليم العقوبة بدلا عن الشكر والفخر والاعتزاز.
وهذه مفارقة مريرة مرارة الحنظل ولكنها واقع كان خافتاً واصبح الآن مجسداً وفاقعاً على الارض.

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi