سالم مشكور
استمعت الى حديث جنرال في الجيش الروسي كان قائدا ميدانيا في حرب الشيشان الاولى في التسعينيات. كان يتحدث الى محطة “روسيا اليوم” عن تلك الحرب التي قامت بين الروس ومسلحين من الشيشان، الجمهورية الخاضعة للسلطة الروسية.
الاصابع السعودية لم تكن بعيدة عن التحريك والدعم للمجموعات الشيشانية المسلحة. الشباب السعوديون كانوا موجودين بشكل واضح في صفوف المقاتلين.
يقول الجنرال الروسي: “جاءت في إحدى المرات الى مكتبي فتاة جميلة طويلة القامة عرّفت نفسها على انها ممثلة لمنظمة (أطباء بلا حدود) وقالت ان المنظمة تريد إدخال مواد طبية وغذائية الى إحدى المدن المحاصرة. وافقت وأرشدتها الى الطريق الآمن لكنني لم أتركها بدون مراقبة. تبين فيما بعد ان قافلة المساعدات كانت تنقل تحت المواد الطبية صناديق مملوءة بأجهزة الاتصالات كانت تقوم بتسليمها الى أشخاص مرتبطين بالمسلحين. في المرة الثانية جاءت بطلب مماثل إلا انني أعطيتها شريط فيديو وطلبت منها مشاهدته. كان فيلما موثقا لكل ما نقلته القافلة من أجهزة إتصالات. عندما شاهدته صمتت وخرجت من مكتبي ولم تعد لكنها بدأت حملة تصريحات تتهم الجيش الروسي بمنعها من إيصال المساعدات الى المحاصرين في تلك المدينة”.
قبل نحو العام تمت دعوة ممثلين عن المنظمات الدولية في العراق، الى لقاء في هيئة الإعلام والاتصالات بهدف توضيح حقيقة وخلفيات القرار الذي اتخذ بفرض عقوبات على بعض المحطات التلفزيونية. كانت بين الحضور فتاة شقراء عرفنا فيما بعد انها يهودية أوروبية وانها ممثلة لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”. الجميع اطلع على آلية اتخاذ القرار بحق المحطات المنتهكة لقواعد البث. جميع الحاضرين اقتنع بصوابية القرارات. ممثلة المنظمة اطلعت كما غيرها على كل الادلة لكنها خرجت لتكتب تقريرا يخالف كل ما رأت بأم عينيها، وكأنها كانت مشحونة بحقائق مغلوطة مسبقا من دون إكتراث بما شاهدته على الطبيعة. جاء تقريرها مشحونا بقصص واسعة الخيال وسيناريوهات متخيلة، شبيهة بالحوارات و”الادلة” التي روتها المنظمة في تقريرها الاخير عن أوضاع حقوق الانسان في المعتقلات العراقية. أحد الاصدقاء ممن يعملون في الامم المتحدة أخبرني أن هذه المنظمة لم تعد معتمدة في الامم المتحدة بسبب عدم دقة معلوماتها والمصادر غير الموثقة التي تعتمدها.
لا أحد يستطيع نفي أن تكون هناك حالات تعذيب داخل بعض مراكز الاعتقال في العراق كما في غيره من البلدان، لكن السؤال هو: هل ان هذا التعذيب ممنهج كما ذكرت المنظمة المعنية بحقوق الانسان، أم انه تصرف من قبل أفراد إما بدافع القسوة أو العادة بحكم عملهم في أجهزة الامن السابقة؟.
مرة نقل لي أحد القريبين من طارق الهاشمي انه رافقه في زيارة للفلوجة، وفور وصوله توجه الى مركز الشرطة الرئيسي في المدينة ليطلع على حقائق مذهلة عن تعذيب يتعرض له الموقوفون، فأخذ يصرخ في وجوه الضباط والشرطة: لماذا تعذبون أبناء جلدتكم، ألم نكن لنتهم الشرطة بالطائفية لو كانت من الجنوب او بغداد؟.
يبدو أن القسوة التي تطبع النفوس في بلدٍ لم ير أبناؤه على مر عقود غير القسوة والعنف والتعذيب الممنهج، باتت مسيطرة على سلوك الكثيرين، حتى لو مارسوه ضد اهلهم، وهو ما كان على “هيومن رايتس ووتش” وغيرها من المنظمات المعنية بحقوق الانسان، ان تعيه قبل النشر بدل ان تقتصر على تلقي معلومات من جهات مغرضة.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية