سالم مشكور
يستبشر الكثير من طيّبي النوايا وحسني الظن بما أعلن عن قرار ملكي سعودي بحبس من يقاتل أو ينتمي الى تيارات ومجموعات متطرفة تقاتل في سوريا وغيرها. في السياسة لا مكان لحسن الظن بل ان سوء الظن هنا يعد ضروريا.
على الاقل التحفظ وطرح العديد من الاسئلة الموضوعية وهنا بعض منها: ما سر الصحوة الملكية المفاجئة؟ أين كان هذا الاجراء منذ سنوات حيث العشرات من الشباب السعودي المضلل يغادر السعودية من منافذها الرسمية وبتحريض وتجنيد علني من علماء أعمى الله بصائرهم كما أعمى بصر أكثرهم وعلى مرأى ومسمع من السلطات؟ هل القرار جاء منسجما مع تقدم الخط الاقل سوءاً في المملكة الى الواجهة بدعم أميركي لينسجم مع الخارطة السياسية الجديدة التي تراد للمنطقة ؟ حسناً، هل ان رئيس المخابرات السعودية ورأس البلاء والقتل والتدمير في المنطقة منسجم وملتزم بهذا المنع الملكي أم انه سيواصل مهمته في التجنيد والتجهيز والتمويل؟، هل يسري القرار على منع توجه السعوديين الى القتال ضد المسلمين هنا وهناك أم انه قرار سعودي بوقف دعم التكفير والعنف في المنطقة ككل؟. هل وراء القرار معلومات تقول ان النار اقتربت من حكام هذه المملكة؟.
على فرض ان القرار نابع من نوايا صادقة وانعطافة في السياسة السعودية في صحوة متأخرة، ولاجل مصلحة العائلة المالكة وليس غيرها، فان في القرار خللاً كبيرا. معروف ان هناك المئات من السعوديين يمارسون في سوريا والعراق ولبنان عمليات قتل وتفجير.
هذا القرار سيجعلهم يقطعون خيار العودة خوفا من السجن الذي ينتظرهم والذي يصل الى عشرين عاما، وبالتالي سيظلون في هذه الدول جاثمين على صدور الناس مخربين منتهكين للحرمات. ألم يكن الأولى بالملك ان يصدر القرار مقرونا بمهلة للعفو ليعطي المجال لمن يريد العودة خصوصا وان كثيرين منهم سيعيدون النظر ببقائهم ما دامت أبواب بلدهم ستوصد بوجههم؟.
مرة أخرى أجدني مضطرا الى “سوء الظن” والقول بأن عدم اعطاء مهلة للعفو ربما كانت مقصودة لئلا تنشغل الجهات الحكومية باستقبال التائبين وترتيب أوضاعهم وإيجاد فرص عمل لهم كما حدث من قبل تحت شعار إعادة تأهيل المغرر بهم، خصوصا وان النتيجة غير مضمونة أبدا بعدما تسلم المئات من “التائبين” مكرمات الملك سابقا ثم عادوا الى تنظيماتهم ثانية.
لذا كان قرار السجن وحده يعد مطابقا للمصلحة السعودية. هو يبعد هؤلاء عن السعودية ويجنبها خطر عودتهم واستمرار ممارساتهم ولكن ضد السعودية نفسها.
اللافت هو حجم المقالات في الصحف السعودية التي ترحب بالقرار الملكي وتعتبره دليلا على حنكة الملك وحرصه على دماء المسلمين. لا أدري لماذا تأخرت هذه الحنكة عقودا؟ هل كان جلالته يبحث في حيثيات إرسال شباب بلده الى المحارق ولم يصل الى الجواب الشافي الذي مكنّه من إبراز حنكته إلاّ الآن؟.
عراقيا، ومنذ سقوط نظام صدام، باتت الساحة العراقية مرتعا لأهل اللحى الوسخة والدشاديش “الميني جوب”. توافدوا بالمئات مدعومين من مخابرات دولتهم ونظيرتها السورية الغبية التي كانت تساهم في التحضير لقتل السوريين بعد العراقيين، فضلا عن جهات مسيطرة على الارض في العراق. أكثر من سبعين خرف ممن سلبهم الله نعمة البصيرة والبصر أصدروا بيانا دعوا فيه الشباب الى التوجه الى العراق لأداء “فريضة الجهاد”. البيان كان علنيا وفيه أسماؤهم وهم معروفون للسلطات قبل الناس، فكان السكوت الرسمي دليلا دامغا على اشتراك الجميع في تلك الجريمة .
اليوم أصدرت هيئة كبار العلماء في السعودية، وفيها أصحاب بيان الجهاد سالف الذكر، بيانا يهلل للامر الملكي بحبس “المجاهدين”. راح وعاظ البلاطات هؤلاء يجهدون في البرهنة على تطابق قرار الملك مع مبادئ الاسلام ونصوص احكامه خصوصا تلك التي تحظر إراقة دماء المسلمين. أي عهر هذا؟.
نحتاج أدلة على ان السياسة السعودية تبدلت بالفعل، وليس مجرد أمر ملكي يتناغم مع متطلبات خارجية.
* إعلامي ومحلل سياسي
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية