ياسين مجيد
تحول تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام -داعش- الى مطلوب رقم واحد دوليا واقليميا بعد الاعلان عن تأسيس الجبهة الاسلامية السورية في شهر تشرين الثاني الماضي، ويعد تنظيم داعش -الذي تأسس في شهر نيسان من العام الماضي- من بين اكثر التنظيمات الارهابية في العراق وسوريا دموية ووحشية، وخاض تنظيم داعش معارك قاسية ضد الجيش السوري الحرّ وتمكن من ازاحته من أحد أهم معاقله في مدينة الرقة السورية.
ودخل تنظيم داعش بزعامة (ابو بكر البغدادي) مع حليفه زعيم جبهة النصرة (ابو محمد الجولاني) في صراع حاد لم يتوقف على الرغم من دخول زعيم تنظيم القاعدة (ايمن الظواهري) على خط المصالحة بين البغدادي والجولاني، وقد كسب تنظيم داعش الارهابي تعاطفا كبيرا بين (الجهاديين) اللذين انخرطوا في صفوفه وهم من جنسيات مختلفة غالبيتهم من السعوديين .
ولم يأت تاسيس الجبهة الاسلامية محض صدفة، فالجبهة التي تشكلت من سبع تنظيمات مسلحة من أبرزها (أحرار الشام وجيش الاسلام وصقور الشام ولواء التوحيد) ينتمي اغلب قادتها الى المدرسة السلفية ويرتبط بعلاقة وثيقة مع الاستخبارات السعودية وخصوصا قائد حركة (احرار الشام) حسان عبود، وزعيم (جيش الاسلام) محمد زهران علوش، وهو خريج كلية الحديث في الجامعة الاسلامية في المدينة المنورة وابن الشيخ عبد الله علوش المقيم في السعودية واحد مشائخ مدينة دوما السورية .
وترافق الاعلان عن تشكيل الجبهة الاسلامية اثناء مرحلة التحضير لمؤتمر (جنيف 2) حول الازمة السورية الذي عقد في الشهر الماضي، كما ان وزير الخارجية الاميركي جون كيري اعلن عن استعداد بلاده للتفاوض مع الجبهة الاسلامية باعتبارها فصيلا سوريا معتدلا، مع انها اعلنت صراحة عن رفضها لمشروع (الدولة المدنية) وتبنيها لفكرة تطبيق الشريعة الاسلامية !
ومنذ الإعلان عن تشكيل الجبهة الاسلامية ذات التوجهات السعودية وعدم تقاطعها مع قطر، بدأت الحملة الدولية والاقليمية ضد تنظيم داعش الارهابي، فما هي اسباب ودوافع هذا الانقلاب المفاجئ ضد داعش الذي استطاع خلال مدة زمنية قصيرة تقليم اظفار الجيش السوري الحر وبسط نفوذه في مناطق مهمة على الساحة السورية وامتداده إلى العراق وتحديدا الى محافظة الانبار؟
ان معطيات صراع المعارضة السورية المسلحة مع النظام السوري تستوجب تقوية داعش، لكن اسبابا داخلية واقليمية أدت الى حدوث الانقلاب ضد داعش مع ومن بينها:
أولا: فرضت التحولات الكبيرة في سوريا على المتورطين الدوليين والاقليميين في الحرب اعادة ترتيب الاوراق مع بدء مؤتمر جنيف وبما يعزز رجحان كفة المعارضة السورية التي فقدت الكثير من صدقيتها على ارض الواقع ، اي ان الاعلان عن تشكيل الجبهة الاسلامية يدخل في اطار عملية منع استمرار الاقتتال الداخلي بين الجماعات المسلحة الذي زاد من تصدع المعارضة السورية ، وان تكون الجبهة الاسلامية هي المظلة الكبيرة التي يجب ان تنضوي تحت لوائها جميع الجماعات المسلحة .
ثانيا: توحيد التوجهات السياسية والعسكرية بين الائتلاف السوري بزعامة احمد الجربا المدعوم سعوديا والجبهة الاسلامية التي تنتمي للمدرسة السلفية الجهادية ، اي ان جناحي المعارضة السورية – السياسي والمسلح – سيكون تابعا للسعودية ويتلقى الاوامر من الاستخبارات السعودية بشكل مباشر .
ثالثا: تلميع صورة الجبهة الاسلامية باعتبارها فصيلا معتدلا وتحميل تنظيم داعش مسؤولية جميع الجرائم التي ارتكبتها الجماعات المسلحة ضد المدنيين السوريين والبنى التحتية التي تم تدميرها ، بل ان داعش اصبح في نظر الكثيرين اسوء حتى من تنظيم القاعدة الذي يمثل المرجعية لجميع التنظيمات الارهابية .
رابعا: اخراج داعش من دائرة التنظيمات المسلحة السورية باعتبار ان مؤسس الحركة هو عراقي الجنسية ومن اهالي مدينة سامراء، وانه لايحق للبغدادي الدخول على خط الحرب السورية، واذا اراد المشاركة فعليه ان يكون تحت راية الجبهة الاسلامية ويطيع اولي الامر في السعودية اولا.
خامسا: تشكيل الجبهة الاسلامية من جهة ومحاصرة داعش في سوريا من جهة اخرى يهدف الى منع داعش من الاقتتال مع باقي الفصائل التكفيرية في سوريا ودفعه الى خارج الحدود السورية ليقوم بتصعيد عملياته الارهابية في داخل العراق ، وما يعزز صدقية هذه الرؤية ان تنظيم داعش قام بتفعيل نشاطه في الانبار اواخر العام الماضي ، اي في المرحلة التي اعقبت الاعلان عن تشكيل الجبهة الاسلامية
. ان ما يحدث اليوم مع تنظيم داعش الارهابي يشبه بدرجة كبيرة ما حدث مع بعض الحكام العرب، فما ان تنتهي مهمتهم حتى يتركوا على قارعة الطريق كما حدث مع صدام ومبارك والقذافي وبن علي والقائمة تطول.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية