سالم مشكور
الحديث المكرر والممل عن عدم دستورية اعتقال النائب العلواني، بحجة تمتعه بالحصانة ، يعيدني بالذاكرة الى نقاش مشابه بدأ في بيروت العام 1994 عندما تم اعتقال عدد من الدبلوماسيين العراقيين العاملين في السفارة على خلفية تورطهم في عملية اغتيال المعارض العراقي الشيخ طالب سهيل التميمي في العاصمة اللبنانية.
آنذاك انقسم المسؤولون اللبنانيون حول هذا الاعتقال بين قائل بعدم قانونيته بسبب تمتع المعتقلين بالحصانة الدبلوماسية، وآخر يقول انهم ارتكبوا جريمة على الاراضي اللبنانية وإنهم ضبطوا بالجرم المشهود ، وبذلك تجاوزوا مهامهم الدبلوماسية التي تستوجب الحصانة.
ولسنوات، تغلّب الرأي الثاني مستفيدا من موقف سوري رافض لإطلاق سراحهم بسبب الخلاف مع نظام صدام آنذاك، الى أن تغيّرت السياسة السورية واتجهت مع بداية العام 2000 الى التطبيع مع بغداد ، فتم الافراج عن الدبلوماسيين العراقيين ونقلوا الى بغداد بعدما مات أحدهم أثناء الاعتقال.
النقاش ذاته يدور اليوم على خلفية اعتقال أحمد العلواني، الذي يبدو أنه استفز الكثير من السياسيين المنتمين الى ذات التيار السياسي ، فراحوا يتحدثون عن “لا دستورية” الاعتقال كون المعتقل يتمتع بالحصانة وفق المادة 63 من الدستور.
في المقابل يقول آخرون إن العلواني ضبط بالجرم المشهود وبذلك فانه لا يتمتع بالحصانة وفقا للمادة الدستورية ذاتها، باعتبار انه فتح النار على القوة الامنية التي جاءت لاعتقال شقيقه، وهي رواية يشكك بصحتها مؤيدو العلواني أو حتى المختلفون معه لكن المستفيدين من اعتقاله انتخابيا .
وسواء صحّت رواية ضبط العلواني بالجرم المشهود في هذه الحادثة أم لا ، فانه سبق ومارس الجرم على رؤوس الاشهاد عدة مرات خلال العام المنصرم ومن على منصّات الاعتصام في الانبار.
ألم يكن التحريض على العنف والتهديد بقطع الرؤوس والخطاب الطائفي جرماً؟
أم سيقول المدافعون عنه إنه كان يمارس دوره النيابي؟. شهدنا بعد تلك التهديدات كم من الرؤوس قطعت وكم من السيارات المفخخة انطلقت من تلك الساحة لتفجر الابرياء من أبناء هذا الوطن ممن نعتهم بالصفويين.
من ثغرات الدستور العراقي – وهي كثيرة – انه كُتب ليكون حمّال أوجه، فكان حاضنة لخلافات الفرقاء اللائذين به جميعا. كلٌ يفسر مواده بما يتناسب ومصالحه.
المادة 63 منه تنص على حصانة البرلماني عمّا يدلي به من آراء أثناء دورة الانعقاد، فترك “الآراء” عامة من دون تحديد، بينما ينص بعض الدساتير على ان الحصانة تشمل آراء النائب الخاصة بمهامه فيما القضايا الجنائية لا حصانة فيها كونها تجاوزا لمتطلبات أداء المهمة النيابية.
هنا نحن أمام فلسفة منح الحصانة والغرض منها وهو: تمكين النائب من أداء مسؤولياته من دون ملاحقة, وهذا ما يجعل من الممارسات الخارجة عن نطاق مهامه ، خصوصا الجرائم ، خارج أي شكل من أشكال الحصانة.
هذا الرأي استند إليه الذين دافعوا عن اعتقال “الدبلوماسيين” العراقيين قتلة طالب السهيل في بيروت، وهو ما يستند إليه كل من لا يرى حصانة للعلواني و”زملائه” المتهمين بالإرهاب والمستمرين في مقاعدهم داخل البرلمان.
إعلامي ومحلل سياسي
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية