محمود زامدار,,,, رحيله الابدي,,, واثره الخالد.
عزيز الشركاني
منذ فترة طويلة وانا احاول ان اكتب موضوعآ عن الراحل محمود زامدار”.لكني احاول كثيرآ ان اصيغ مقدمة تليق بمكانته فأعجز وأيأس ثم لا البس ان امزق ما اختطته يدي لأصاب بأحباط ويضيق اما تضاؤلي وعدم مقدرتي على الاييفاء بجزء يسير من حقوق هذا الرجل العظيم ولو بضع كلمات تعينني على وصف بعض من مأثره,
فأفشل مرة اخرى واظل اسير هذا الفشل لساعات ثم احاول متعثرآ من جديد ولكأني في هذه الحالة من يريد ان يحول مجري نهر عظيم زاخر بالخير وفيره الى جدول شيد على عجل فلم يحتمل السيل وانجرف ,تاريخ اسود 8/9/2011 في ليل يلفه الظلام تواترت الانباء عن نبأ رحيل احد ركائز الادب في البلاد الكاتب والاديب الكردي محمود زامدار, مؤلف اكثر من 30 كتاب لم يحمل معه غير لقبه الادبي الاديب ويا له من اديب وما أعظم المفردات والمترادفات التي تفسر معنى كنيته لم يكن يهتم بالالقاب ، ولم تعن له شيئاً فالألقاب تسعى إليه سعيا لتلتصق باسمه وتتشرف به رحمك الله با كاتبنا واديبنا واستاذنا الجليل بقدر ما أعطيت لهذا الوطن، وبقدر ما تركته من حب بين الناس
إن عظمة الرجال هي وحدها إنجازاتهم الكبيرة التي تحكي عنهم. وحدها هي التي تستطيع أن تقيس بها قامة العلماء ما خلفوه من معارف وما تركوه من علم مدرار ينهل منه مستسقيه كلُ حسب حاجته وطاقته. نقوش وضيئة حفروها على كتاب الإبداع خلال مسيرة طويلة من البحث والعنت والعمل المضني المتواصل في تفاني وقدرة جبارة على نكران الذات والغيرية.
لقاؤك الأول به مصدر إدهاشٍ حقيقي لا ينفك يلازمك طيلة تواجدك معه، يخال إليك ليس للوهلة الأولى وإنما لأزمان لا نهائية وأنت في حضرته وكأنك والجٌ إلى عوالم من الخيال والإبداع الراقي الذي يؤطر ويوشح صورة ذلك الرجل الأسطورة. سنين العمر بطولها الرزين وما تركته من آثار ظاهرة على جسده النحيل لم تسلبه فخامة أصيلة في المظهر. وهن الذاكرة ينسحب خجلاً أمام تحدي ذكاء أخاذ لعالم مجرب خبر الحياة والعلم مبعثراً دفاف المراجع والأسفار مستنبطاً من واقع التجربة إثباتات جديدة وإضافات تم اكتشافها بالبحث العميق. تأسرك هيبة لا ينتقص منها تهذيب الصوفي الذي لم يجد إلى الحضرة النبوية من سبيل غير التواضع والانكسار. حديثه رقراق سهل يهضمه العقل دون عسر، الخطوط الأفقية العميقة التي حفرت عميقاً في محياه بفعل رهق الحياة وهموم العلم والعالم لم تستطع أن تهزم ما بداخله من روح فكهة وفوارة، تداعبك بيسر فتلامس شغاف القلب نسيماً هفهفاً رقيقاً. بصيرة متسعة وعبارة قصيرة مختزلة مفيدة لمعانٍ وجملٍ طويلة. درسٌ مهم في تقييم الوقت. ذكاء متقد لا تخطئه العين وهو يحول نظره غير المستقر من زاوية لأخرى تأدباً أمام محدثه وكأنه يختبر حقيقةً معلقة في بعد رابع لا يراها إلا هو، يمتحنها في إغماضة عينه التي استلفت مقدرتها على الرؤية من عدسة زجاجية سميكة أو مكبر للقراءة يحكي عن صبر وجلد على ملازمة الدرس والبحث وحب للعلم والتعلم خصم من رصيد بصره ليصب في رصيد علمه.
يستضيفك هاشا باشا في صالونه البسيط، الماء والعصير والتمر ضيافة لا تدانيها ضيافة في حضرته الكريمة وهو يحثك مرة تلو الأخرى مداعباً ان تأخذ حصتك من التمر لعلمه بخواء إمعائك وهو يسرد بعض الطرف التي تحاكي الموقف، ويرمقك بنظرة مشجعة فتمد يدك مبتسما وفي أريحية تشعر معها بالإلفة تتناول تمرة بعد أخرى، يسألك عن الأهل وعن الأسرة الممتدة التي يعرف الكثير من أفرادها – في هذا الوطن المتفرد. يوليك نفس الاهتمام قل شأنك أو عظم، يعالج فوارق الأعمار في حكمة العارف وهو يحدثك عن الثقافة والتاريخ والعلوم والفلك والري. ، ويهديك بعض من أذكارهم اليومية. هو موسوعة إذا تجولت معه في مكتبته التي افرد لها حيزا مقدرا في منزله،. فبإصراره الذي لا يترك لك مجالاً للمناورة تجده قد أخذ بيدك في حنو ودفء الوالد يصطحبك حتى باب منزله مودعاً ومرحباً في آن واحد طالباً تكرار الزيارة كلما سنحت لك الفرصة، لم يمنعه تقدم السن ورهقه من مؤانسة زواره والاهتمام بهم ومجاملتهم حتى اللحظة الأخيرة.
كشأن كل القديسين حمل هم شعبه دون كلل ، هو عالم موسوعي بمعني الكلمة.
رحل كما العلماء في تواضع مهيب، في هدوء وسلام كما النسمة لامس وجوهنا الحزينة قبل جباهنا التي ارتسمت عليها علامات الفجيعة وهز أوتار قلوبنا ورحل… ودعنا وترك بصمة روحه تسكن بلطف في دواخلنا وإلى الأبد.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية