سالم مشكور*
سواء كان الاتفاق النووي الايراني – الغربي سمح لايران بتخصيب اليورانيوم بنسبة أكثرمن خمسة في المئة كما تقول الرواية الايرانية ، او سمح بنسبة الخمسة بالمئة فقط كما تقول الرواية الاخرى فان النتيجة التي لا يختلف عليها إثنان هي ان ايران ستواصل التخصيب . ربما هي النتيجة التي أراد الايرانيون الوصول اليها عبر التلويح ، ثم بدء التخصيب بنسبة العشرين بالمئة ليصلوا في نهاية المطاف الى تخصيب بنسبة خمسة في المئة معترف به غربيا .
كانوا كمن يري الغرب الموت ليجعله يرضى بالحمى . نتذكر ان أزمة النووي الايراني بدأت قبل حوالي عشر سنين ووصلت الى حد التهديد بضرب إيران لانها قامت بتخصيب اليورانيوم بنسبة أقل من الخمسة بالمئة . اليوم وقعت افاقا يمكنها من التخصيب بالخمسة بالمئة وسط سرور الغرب الذي رقصت ممثلته آشتون أمام الوزير الايراني وباقي المفاوضين فرحا بـ”النصر” ، لكنه نصر ايران وليس الغرب الذي سيصحو من سكرته ليرى انه وقع اتفاق دخول طهران النادي النووي . صحيح ان الوزير الاميركي جو كيري يقول ان الاتفاق لا ينص على حق ايران في التخصيب ، الّا أنه ايضا لا ينصّ على حرمانها منه ، مما يعني انها صيغة موافقة غربية ضمنية .
يتصور الكثيرون ان الفضل في الانفتاح الايراني الذي أدى الى هذا الاتفاق يعود الى “اعتدال” الرئيس الايراني حسن روحاني ،بمعنى انه فعل ما يرفضه مرشد الجمهورية في خطاباته دائما ، وهو تصور لا يستند الى معرفة عميقة بتركيبة الحكم في إيران .
كنت كتبت سابقا بان روحاني وصل الى الرئاسة بأغلبية الاصوات وفق سيناريو محكم وضعته القيادة الايرانية التي قررت الانفتاح . تركت روحاني مرشحا بعدما رافقته حملة اعلامية عن قربه من الاصلاحيين واعتداله الشديد وفي الوقت ذاته قربه من المرشد فكان ان حصد اصوات جمهور واسع للاصلاحيين والمحافظين في آن ، فيما ترك أربعة مرشحين محافظين تتوزع بينهم الاصوات المتبقية ليخرج روحاني فائزا كبيرا ، وليبدأ فور إعلان فوزه توجيه رسائل حسن نية الى الغرب .
الوضع السوري واستعصاء إسقاط الاسد المدعوم ايرانيا وروسياً بقوة ، وانهيار حكومة الاخوان في مصر خلق في واشنطن إتجاها الى معادلة جديدة تخرج طهران من خانة “الشر” حسب التصنيف الاميركي لتكون مهيأة لدور إقليمي كبير معترف به غربيا.
هذا الدور هو الذي أزعج الرياض ودفعها الى إتخاذ موقف معاند عكس ما ذهبت اليه انقرة التي تصرف رئيسها بحكمة غابت عنه لسنوات ، فاتجه الى الانسجام مع المعادلة الجديدة ، بتحركات نحو طهران وبغداد ، وانكفاء للنشاط في الملف السوري .
بقي الموقف السعودي يراهن على مجموعات الضغط الاميركية الرافضة للتقارب مع ايران وبينها شركات نفط يرتبط أصحابها بعلاقات وثيقة وقديمة بالعائلة السعودية الحاكمة ، علّها تستطيع إرباك سياسة أوباما الشرق أوسطية الجديدة .
عموما فان الاتفاق الايراني الغربي جاء تتويجا لسياسة النفس الطويل الايرانية التي استمرت ثلاثين عاما ،حاكت خلالها طهران سجّادة اتفاق يحقق ما كانت تصبو اليه من تعامل معها ، خصوصا الولايات المتحدة الاميركية ، تعامل الانداد وليس التابعين ، وهو ما يؤكده حجم الانزعاج في الرياض وتل أبيب.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية