للمؤتمر القومي الكوردي أجعلوا العلمانية قٍبلة الكورد وألا؟؟
خضر دوملي*
تشهد المنطقة عموما وما يحيط بالشعب الكوردي خاصة موجة لانظير لها من العنف المبني على اساس الدين او المذهبية ، وظهور قوى الظلام التي تفتك بالكورد وتشرع القوانين لقتلهم ومصادرة املاكهم ، وبين هذه وتلك من التوجهات يعمل الكورد من اجل الحفاظ على هويتهم و وجودهم وسط بحر هائج من التغيرات لايعرف احد اين مستقره.
مراجعة سريعة للاحداث التي تعصف مؤخرا وخاصة بتدحرج سوريا كدولة الى نهايتها تبين مدى قوة التغيرات، ومدى سيطرة بعض المجاميع التي فقدت اية ذرة من الانسانية على مصائر الناس، وما تسفر عنه من قتل لايمكن ان يوصف ألا بأنه ينافي كل القيم الاخلاقية.
في وسط وجنوب العراق الاوضاع لم تعد تشبه اي وقت كان، الاطراف المتصارعة في العراق باتت في صراع سني شيعي مكشوف على عدة اتجاهات، ولم يعد بالامكان اخفاء ذلك، بأي شكل كان، اذ ان القوى التي توجه ذلك الصراع اصبحت تأخذ من العراق اكبر ساحة لهذا الصراع وبالعديد من الاشكال والصور ابسطها اقرار مصير من ليس مع هذا الطرف او ذاك وفق اهواء من يصدر القرار ، ودون الاقرار بهذا الصراع علانية وتحديد اهدافه مساراته سيستمر الوضع في العراق على هذا النحو وليس ببعيد ان يسوء اكثر وأكثر.
مصادر القرار او المرجعيات في البلاد منشغلة بعادئية هذا المسجد او ذلك الجامع للوقف السني او الشيعي، مجاميع لاتسميات لها تقتل الابرياء على الشوارع وتحلل ارتياد المقاهي من عدمه وتقرر نوع اللباس و تسريحة الشعر وصولا الى طريقة الطعام، وتفجر الاماكن التي يرتادها الناس لقضاء اوقات فراغهم. وصور جديدة من القتل بدأت تظهر في العراق الذي لم يعد عراقا كما كان، ولايمكن ان يصف بأنه موطن الحضارات ومصدر تاريخ الانسانية، اذ بدأت صور الانسانية تختفي من مخيلة الناس كما تختفي من واقع الحياة كل يوم. وذلك بسبب حجم الجرائم التي ترتكب مع فشل وصمت حكومي وتراجعه حتى في تفسير انهيار الاوضاع الامنية وتمسكه بالسياسات التي تتبعها في حفظ الامن فقط لمن يصدر القرارات وفي موقع المسؤوليات ولايهم ما يحدث للمواطن المسكين.
في الشرق من كوردستان او غربه تظهر قوى وتختفي، تصدر اوامر بالقتل والاعدام في ايران بحق النشطاء، في تركيا الكورد امام امتحان كبير للمضي في حلحلة القضية الكوردية بهدوء بعيدا عن العنف، التي تواجه الكثير من المعوقات بسبب ضبابية الموقف الرسمي، وفي سوريا باتت الصورة اكثر عتامة، وبدأت الاحداث تسير وفق مالايريده اي كان، فقط أولئك الذين لايريدون الخير للانسانية، ما ذنب الابرياء والاطفال في ان يصبحوا وقود الفتنة الطائفية، ما ذنب الكورد الذين منذ مئات السنين هناك ضحية سياسات شوفينية ليصبحوا اليوم ضحية الصراعات المذهبية، يقتلهم البعض باسم الدين والانتماء ؟؟.
هذه الاسئلة لم تعد اسئلة النخبة، بل باتت شأن عامة الناس، بعدما اصبح الناس البسطاء وقود صراعات لاشأن لهم فيها و لاحول، وأصبحت تأخذ مساحة كبيرة في تفكير الجيل الجديد في اقليم كوردستان خاصة ،،، ياترى الى اي حد يمكن لاقليم كوردستان الصمود امام هذه الموجة من العنف والتطرف الذي يحيط به من اربع اتجاهات ولكل اتجاه لون وصورة واسلوب وطريقة في قتل الكورد و العمل من اجل اضعاف دوره ووجوده.
وسط هذه الاجواء المغبرة يعيش المواطنين في اقليم كوردستان بهدوء، وتستمر تجربة الاقليم لتبين للعالم مدى قوة وصبر الكورد على اختيار طريق مختلف بعيد عما يحدث حواليه، وخاصة في الجزء الاخر من العراق، العمل والتحمل وتجاوز المصاعب بهدوء وعلى مضض احيانا وفق ما يتعرض ابناء واشقاء له حواليه الى القتل والتصفية. من اجل حياة جديدة ملؤها الاستقرار والامان وترسيخ التعايش، بين جميع المكونات الموجودة – دينية كانت ام قومية ، مذهبية كانت او اثنية.
لكن هل يستمر الامر كما هو عليه؟ هذا السؤال مرتبط بعدة اتجاهات ،،، المؤتمر القومي وما ينتظر منه. توافد الالاف من اللاجئين الكورد من غرب كوردستان الى الاقليم وما يشكل من تحدى كبير لكل مؤسساته. وقوف قوى سياسية كوردية علانية مع اتجاهات سياسة تقود الاسلام السياسي في العالم، التي لم يرى الشعب الكوردي منها سابقا اية مواقف تدعم وجود الكورد ككيان وشعب له خصوصيته ، اذ شكل ذلك بمثابة الصدمة للبعض والامر الطبيعي للبعض الاخر،، مما يتطلب معرفة كيف يمكن قيادة دفة الاقليم في المنظور القريب والبعيد على ضوء ظهور هذه المواقف .
الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات ومدى العمل من اجل ان تسفر عن قوة سياسة جديدة تدير دفة الاقليم نحو بر الامان وفق الطرق السلمية، اذ ينظر العالم المتمدن بأهتمام كبير الى هذه التجربة التي ستكون حاسمة للسلطة في الاقليم من اجل ان تبرز جديتها بأنها تعمل من اجل ترسيخ الديمقراطية اكثر، من اجل مزيد من الاستقرار والتطور والعمران.
العمل من اجل ترسيخ العلمانية التي بغيرها لن يكون للكورد اي مستقر في المنطقة على مدى عقود قادمة، فأن لم تكن العلمانية قبلة الكورد ( بكسر القاف ) لن يكون للناس هنا من مستقر واستقرار، ولن يكتب النجاح لتجربة اقليم كوردستان الذي يشهد هذا الاستقرار في ضوء هذا العنف والتطرف والارهاب الذي يحيط به من كل اتجاهات.
ومن اجل تحقيق هذا الهدف يتطلب العمل بجدية اكبر و بحزم تجاه انتشار الافكار المتطرفة، يجب العمل من اجل عدم فسح المجال بتغلغل الاشخاص والذين يحملون الافكار الظلامية الى مواقع القرار، ان تغير حكومة الاقليم وخاصة الاحزاب العلمانية نهجها في تعاملها مع قضايا الاقليات والتعددية الدينية والتنوع وفق مناهج مدنية، وضع الخطط الحكيمة والممنهجة على مستويات مختلفة لدعم الاتجاهات التي تشجع المدنية وفصل الدين عن السياسة ماديا ومعنويا، الابتعاد عن المجاملات السياسية الوقتية في التعامل مع الاطراف السياسية التي تعمل من اجل مصالحها الضيقة على حساب مصلحة اقليم كوردستان واهله. فبخلاف ذلك سيدفع الشعب الكوردي مزيدا من الخسائر في الارواح والممتلكات لا احد يستطيع وصف ضخامتها وحجم تأثيرها.
ان اللجوء الى الطرق السلمية في حل الخلافات السياسية بين مختلف الاطراف السياسية وأتباع النهج العلماني في ادارة الاقليم بشكل اكثر توسعا وملامسة – بحيث يشعر بها القريب والبعيد، وليس في التصريحات فقط – الذي من السهولة العمل به في اقليم كوردستان لتوفر العوامل التي تساعد على نجاحه، كفيل بدفع عجلة التقدم والتطور والعمران الى الامام بمزيد من القوة والدعم الدولي وتوفير الارضية لمزيد من الاستقرار،،، وهذا ما يجب ان يأخذ الاهتمام الاكبر السياسات والقرارات التنفيذية لحكومة اقليم كوردستان وكذلك في محاور المؤتمر القومي الكوردي من اجل الحفاظ على الهوية التعددية لأقليم كوردستان، ومن اجل تحقيق الاستقرار نحو مزيد من تكاتف وتقارب في وجهات النظر بين الجميع من اجل مستقبل كوردستان فنجاح اقليم كوردستان في هذا الامتحان الطويل هو دعامة لنجاح الكورد في الاجزاء الاخرى لتشابه الاوضاع على الارض في الدول الاخرى التي يتواجد فيها الكورد ولتشابه الاطراف المعارضة والمؤيدة لهم، العلمانية كفيل بأظهار الصورة الحقيقية للكورد بأنهم شعب يمتلك كل صور المدنية وافاق التواصل مع الشعوب المتحضرة التي تراعي الانسان والانسانية بعيدا عن انتمائاته وانما وفقا لعطائه وعمله وجدارته.
*باحث في النزاعات وبناء السلام والاعلام وشؤون الاقليات.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية