شهادة إبداعية …زهير كاظم عبود مؤرخاً وباحثاً
خالدة خليل
الكتابة عن الباحث الاستاذ زهير كاظم عبود تختلف في أهميتها عن الكتابة عن اي باحث اخر، كونه قاضيا، معززا بخلفية قانونية تعضد كتابته وفهمه لاهمية الاقليات التي صب اهتماما كبيرا بها لما تتعرض له من ضغوط تحولها الى مظالم كما هي الحال مع الديانة الايزيدية.
لم يكن بحث الاستاذ زهير حديثا، بل هو يمتد الى وقت كانت الانظمة السابقة فيه لا تعترف بالحقوق أو أنها تقصر كثيرا في إحقاقها، ولا غرو أن نقول إنها مدت سلطتها على هذه الاقلية حتى انها حاولت تغيير قوميتها الى قومية أخرى تمثل الغالبية في العراق لاسباب معروفة.
وفي الوقت الذي اصر فيه الاستاذ كاظم عبود على الاصول الكردية لهذه الديانة وتعدى ذلك لجعلها اصل الكرد، كما يعترف بذلك قسم من الكرد انفسهم، فإنه كان يراد من تغييب التاريخ الايزيدي في جزء منه تغييب التاريخ الكردي على مر العصور.
فاذا كان التاريخ منهاجا يقوم على تحليل الاحداث وتفسيرها على اسس علمية رصينة للوصول الى حقائق تساعد على فهم الماضي والحاضر والتنبؤ بالمستقبل ، فانها تحتاج بذلك الى ضمير حي ويقظ من اجل الموضوعية والابتعاد عن الذاتية اولا ومن ثم يحتاج الى ثقافة عالية ثانيا من اجل تتبع مجريات الاحداث من خلال حركة الزمن.
( التاريخ هو اخطر محصول انتجته كيمياء الفكر ) هكذا يصف بول فاليري التاريخ، من هنا فإن الخطورة تأتي من خلال الاعتماد على وثائق او حقائق تمثل انحيازا لمرحلة ما من مراحل التاريخ، فبعضها لا يعبر عن حقيقة ما جرى من احداث وانما كانت كتابات لمؤرخين سيطرت عليهم الايديولوجيات السياسية او الدينية السائدة في فترة كتابتها، لذا وجب لمن يشتغل بالبحث في التاريخ ان يعتمد السياق التاريخي في تأويل النصوص والتعامل مع الوثائق بحيادية تامة والبحث عن علاقة الوثيقة بصاحبها لتحقيق الموضوعية ومن ثم دراسة معطيات تلك الفترة كالايديولوجيات والسياسات التي كانت سائدة انذاك، ومن ثم الموقف السياسي لكاتب الوثيقة وعلاقته بعصره . لان الوثائق ليست تاريخا بل هي شواهد على التاريخ لذا فان امكانية تزوير الحقائق فيها وارد الى حد كبير تبعا للمصالح.
وما فعله الباحث الاستاذ زهير هو تتبع تاريخ هذه الديانة في ظل عدم وجود مدونات وكتب تنصف تاريخهم فكانت عملية البحث عملية شاقة ومضنية بما ان التراث الايزيدي في معظمه تراث شفاهي يعتمد على نصوص واقوال تداولتها الاجيال ، فكان من الطبيعي ان يتعرض الكثير منه الى النسيان والضياع.
ويرد الباحث سبب اهتمامه بهذه الديانة الى الافكار والحقائق المشوهه التي وصلته كما وصلت غيره عن هذه الديانة الا ان تعيينه قاضيا في مدينة الموصل وتحديدا عام 1991 ادى الى التعرف الى حقيقة هذه الديانة عن قرب فجعل هذا الانحراف عن الحقيقة هو من اولى مهماته في عملية التقصي والبحث عن الحقيقة ، فكان اولى كتبه لمحات عن الايزيدية في عام 1994 هو البذرة الاولى التي نبتت على اثرها كتبه الاخرى ومنها حقائق وخفايا وأساطير ثم ألحقه بكتاب عن الشيخ عدي بن مسافر مجدد الديانة الأيزيدية ثم كتابه الرابع طاؤوس ملك كبير الملائكة عند الأيزيدية ثم كتابه الخامس التنقيب في التاريخ الأيزيدي القديم ثم كتابه السادس الأيزيدية وصحف إبراهيم الأولى مساهما بذلك في كشف الحقيقة وتوثيق مفاصل حياتهم الاجتماعية وجزء من طقوسهم وحقيقة ديانتهم الإنسانية. واخيرا صدور كتابه التناص بين الديانة الايزيدية والزرادشتية .
لم يتم تغييب الايزيدية عن صفحات التاريخ باعتبارها ديانة قديمة تتمسك بها مجموعة بشرية ، بل تم تغييب الكرد بشكل عام عن حقائق كثيرة من التاريخ كما يقول الباحث في احدى مقالاته . ويستطرد ازاء التجاذب القومي أوالديني الذي يريد أن يضم الأيزيدية تحت معطفه ، أو بروز المصالح السياسية التي تتجاذب قضية الانتماء الأيزيدي وفق الظروف والمكان والزمان ، تبدو أهمية الأيزيدية واضحة في كل هذا بالرغم من كل التجاهل التاريخي أو التعتيم الذي مورس ضدهم في كتب التاريخ القديم والحديث.
بل ويدعو الباحث الى انصاف هذه الديانة من خلال البحث المستمر بحيادية ونزاهة للمساهمة والبحث عن الحلقات المفقودة من حياة هذه الشريحة العراقية ذات الديانة العريقة والتي تضرب بجذورها في قدم الحضارات في بلاد الرافدين التي عرفت التعدد والتنوع الاثني والعر قي على مدى التاريخ ، كذلك يدعو الى الانفتاح عليها كونها قبل كل شئ جزءا من المنظومة البشرية فضلا عن كونهم شعب كردستان الارض التي ناضلت وتناضل من اجل حقوقها المشروعة .
ان من يتتبع تاريخ الديانة هذه سيجد بصورة واضحة الظلم الذي وقع عليها من جانب المؤرخين والكتاب فقد ظهرت العديد من الكتب التي حرفت الحقيقة كأن كانت تنسبهم الى الخليفة الاموي يزيد بن معاوية او من يعيدهم الى المجوس وعبدة النار او من يذهب بعيدا ويغلو كثيرا حتى يعدهم من عبدة ابليس .
لم يكن البحث اذا وفق كل ذلك عملية سهلة بل انه كان يتطلب الصبر والعزيمة التي وجدناها متمثلة في شخص الاستاذ زهير كاظم عبود .
لا يسعني في هذا المقام إلا أن انحني اجلالا لجهود هذه الشخصية التي فتحت بابا ظل مقفلا طويلا بوجه الإنصاف.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية
الطاهرة خالدة تحياتي وأحترامي شهادتك اعتز بها ونقاء كلماتك يسطر لي صدق العلاقة الانسانية التي تربطني بالأيزيدية مهما كانوا وأينما كانوا دمت بألأف خير مع اعتذاري لتاخر مطالعتي وردي زهير كاظم عبود