زيارة الرئيس بارزاني لدياربكر ليست بسبب مشكلة بين حزبين بل بسبب مسألة بين قوميتين
يوسف بري
زيارة السيد مسعود البارزاني بصفة رئيس اقليم كوردستان لمدينة دياربكر (آمد) بدعوة رسمية من السيد رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء التركي يدل على ان القضية الكوردية بصورة عامة والقضية الكوردية في تركيا بصورة خاصة بدأت تدخل مرحلة جديدة متقدمة، وان الحكومة التركية ادركتت بانهُ لا يمكن تهميش كورد تركيا، لذلك يجب معالجة قضيتهم سواء عاجلاً ام آجلاً.
كما لهذه الزيارة لها معنى آخر، وهو ان المسؤولين في انقرة أدركوا بأن الرئيس بارزاني هو الشخص الوحيد الذي لديهِ الكاريزما الكافية والحلول الناجعة لمعالجة القضايا العالقة، ليس داخل اقليم كوردستان او العراق فحسب، بل انهُ الشخص المؤثر والمقبول من قبل جميع الكورد في الاجزاء الأربعة، علما بانهُ يوجد اكبر عدد من الكورد في تركيا اكثر من جميع الاجزاء الاخرى والذي يبلغ 20 مليون نسمة.
الرئيس بارزاني يدعم عملية السلام القائمة بين الحكومة التركية ومقاتلي حزب العمال الكوردستاني منذ بدأ هذه العملية (عملية السلام)، واللافت هو الكلمة القصيرة والمهمة للرئيس بارزاني حول السلام حيث قال “مهما يكون طريق السلام طويلا ولكنه أفضل من ساعة حرب واحدة”، كما وصف البارزاني رئيس الوزراء التركي بالجريء، عندما قال “ظهر في تركيا زعيم يدعم السلم” واضاف البارزاني “معركة السلام معركة صعبة وتحتاج الى جرأة كبيرة، واردوغان أختار هذا الطريق”.
من الواضح ان للرئيس بارزاني باع طويل في السياسة، ولهذا اعتبر سيادته انه ليس هناك قائد تركي آخر لديه الجرأة التي يتحلّى بها اردوغان، وهذا ما كان جلياَ في كلمة اردوغان التي القاها بعد كلمة البارزاني عندما لفظ بكلمة الكورد وكوردستان اكثر من مرة في الوقت الذي كان منذ زمن طويل يعدّ التكلم باللغة الكوردية وحتى لفظ كلمة “كوردستان” ممنوعاَ، و في كلمتهِ قال اردوغان “لم نهمل طريق السلام” واضاف “الشكر لله حيث لم يمت احد مقاتلينا ولا أطفالنا خلال عام” وكلامهُ يدل بأنهُ سوف يستمر في هذا الاتجاه الى ان يتحقق السلام.
ان السلام في مصلحة الجميع، وكما هو لمصلحة الكورد فإنه في مصلحة تركيا ايضاً، علمان ان الحكومة التركية كانت تخصص اموالاً طائلة كميزانية سنوية للحرب فضلاً عن خسائر بشرية حيث بلغ عدد ضحايا هذا الحرب حوالي 45 الف شخص خلال السنوات الثلاثين الماضية من الحرب.
كذلك فان زيارة البارزاني لبلدية دياربكر واستقبالهِ من قبل اوسمان بايدمير رئيس البلدية من حزب (bdp) حزب السلام الديمقراطي، وبحضور الكثير من الشخصيات مثل السيد أحمد ترك رئيس الحزب المجتمع الاشتراكي الكوردستاني وإلقاء كل من بايدمير والبارزاني كلمتان لوسائل الاعلام لها اكثر من دلالة ويمكن بوصفها خطوة متفائلة وتبشر بالخير هي الاخرى.
بعض الاطراف السياسية التركية المتشددة انتقدت هذه الزيارة وعبروا عن غضبهم من اردوغان لتلفظهِ بكلمة كوردستان، ويمكن اعتبار هؤلاء يدورون في فلك العقلية المريضة ولم يفيقوا من نومهم من امثال (Chp) حزب الشعب الجمهوري وكذلك (Mhp) الحزب القومي التركي، وهناك من يقول ان التوقيت غير مناسب بسبب التوتر بين pdk و ypk وهناك من يقول ان هذه هي حملة اعلامية لحزب العدالة والتنمية للانتخابات المقبلة، لكن بالاستناد الى آراء محللين ومختصين ارى ان المسألة اكبر من حملة اعلامية او مشكلة بين حزبين وهي مسألة بين قوميتين (الكوردية والتركية) وهذا ما كان واضحاً في كلمة أردوغان الذي زار هو الآخر دياربكر برفقة اكثرية وزراءهِ عندما وصف مسعود البارزاني بالاخ والصديق وفي مقطع آخر يقول “اليوم نجل مصطفى البارزاني ضيفاً علينا” هذه الكلمات يبين بانهُ يصف رئيس الاقليم بممثل الكورد او رمز الكورد، وهذا امر يؤكد بأن الحكومة التركية لديها نوايا صادقة لتحقيق السلام في تركيا، وان استقبال الرئيس بارزاني بهذهِ الحفاوة خير دليل على ذلك.
ومن الجدير بالانتباه هو ان الشخصيات الكوردية المعروفة التي لديها الدور المؤثر بين كورد تركيا كانوا في استقبال البارزاني مثل المناضلة ليلى زانا البرلمانية من دياربكر والتي سجنت حوالي سبعة سنوات وكذلك البرلماني آلتان تان وآخرون.
فضلا عن اننا راينا برفقة رئيس الاقليم في زيارتهِ، الفنان الكبير شفان برور الذي لديهِ شعبية كبيرة بين الكورد وهو يعود الى بلدهِ دياربكر بعد 37 عاماً من المنع بسبب اغانيهِ الثورية والحماسية، هذا دليل آخر بأن الكورد دائما يطالبوا بالسلام ووجود المغني الكبير (شفان برور) في دياربكر رسالة أخرى لكورد تركيا موجهة للعالم بأنهم لديهم نية لوقف الكفاح المسلح وتحويل نضالهم الى نضال سلمي.
اما رد فعل امريكا لهذه الزيارة فقد كان رداً ايجابياً حيث اعتبرت شخصيات دبلوماسية امريكية ان هذه الزيارة مهمة، ويصفون دور البارزاني بالمهم من اجل السلام في المنطقة، كما ابدى الوزارة الخارجية الامريكية باسم متحدثها تفائلها لزيارة البارزاني الى دياربكر.
بالمختصر ان البارزاني وصل دياربكر (آمد) بدعوة رسمية من الرئيس الوزراء التركي وحضر مناسبة اجتماعية لزواج جماعي ولقاء TRT6 معهُ ولكن جوهر الزيارة هي لدعم عملية السلام التي تعثرت مؤخرا بين الحكومة التركية والعمال الكوردستاني الذي يترأسهُ السيد عبدالله أوجلان المسجون حاليا بسجن ايمرالي في تركيا.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية