عمر بن الخيام الباطني النسيابوري
حسن شنكالي
أهل السلطة والقرار في كل الازمنة يحاربون الحقائق والافكار التي قد يطيح بسلطتهم ويتهمونهم بالكفر والالحاد تعتبر تهمة الإلحاد و الزندقة من المسائل الجدلية في التاريخ الإسلامي فقد عان الكثير من المتصوفين والعلماء واصحاب الفكر من هذه التهمة الباطلة واكتشف الجيل الذي اتى بعدهم بان افكارهم كانت صحيحة ولايوجد الحاد فيه .
فقد قاموا بإحراق الكتب القيمة …. احرقوا على سبيل المثال لا الحصر كتاب الغزالي “إحياء علوم الدين” بحجة الكفر وحجج أخرى، وما لبث هذا الكتاب أن أصبح بعد سنين الكتاب من أهم الكتب الإسلامية ! وحاربوا حسين منصور الحلاج واعدموه وحاربوا ابن خلدون وحاربوا وحسن البصري والكثير من المتصوفين اللذين لازلنا نعيش على بركاتهم
واليوم نكتب نبذة عن واحد من هؤلاء المتصوفين اللذين اتهموا باطلا وهو :
عمر بن الخيام الباطني النسيابوري ( 1131 – 1040 م)
ويقال بان الباطني تشير الى انه عاش في كل العصور ، وتؤكد بعض المصادر بانه ولد في نيسابور سنة 1040 م وكان أبوه صانع خيام فاشتق اسمه من حرفته.
وكان أثناء صباه يدرس مع صديقين حميمين، وتعاهد ثلاثتهم على أن يساعد من يؤاتيه الحظ الآخرين، وهذا ما كان ..
فقد وصل إلى الوزارة نظام الملك (الطوسي) فخص عمر بن الخيام عندها بمائتين وألف مثقال يتقاضاها من بيت المال كل عام.
وهكذا صار لعمر بن الخيام الوقت الكافي للتفكير بأمور وأسرار الحياة ، بعد أن توفرت له أسباب المعيشة.
وبسبب الفهم الخاطىء لفلسفته ولتصوفه اتهم بالإلحاد والزندقة وأحرقت كتبه، ولم يصلنا منها سوى الرباعيات لأن القلوب أحبتها وحفظتها من الضياع. غير أن الخيام كان عالما عبقريا وملما ومبدعا أكثر بكثير من كونه شاعرا . وضياع كتبه في الرياضيات والفلسفة حرم الإنسانية من الاستفادة من الإطلاع على ما وضعه في علوم الجبر والرياضيات. ومن ابتكاراته ((نظرية ذي الحدين ))
من جهة أخرى تم الكشف عن جزء بسيط فقط من عبقريته، من خلال ما تبقى لنا من رباعياته. ولو لم تحرق كتبه لساهمت في الكشف عما خفي على العلماء، وربما توصلوا لما في كتبه بعد قرون وربما لم يهتدوا حتى الآن إلى ما توصل إليه..(1)
هناك اختلاف على كون الرباعيات تخص عمر الخيام فعلا، فكما هو واضح تدعوا الرباعيات بجملتها الى اللهو واغتنام فرص الحياة الفانية. الا ان المتتبع لحياة الخيام يرى انه عالم جليل وذو اخلاق سامية، لذلك يعتبر بعض المؤرخون ان بعض الرباعيات نسبت خطأ للخيام وقد اثبت ذلك المستشرق الروسي زوكوفسكي فرد 82 رباعية الى اصحابها فلم يبقى الا القليل الذي لم يعرف له صاحب. (2)
رباعيات الخيام (بالفارسية: رباعيات خيام) هي مقطوعة شعرية بالفارسية، مكونة من أربعة أبيات، يكون الشطر الثالث فيها مطلقا بينما الثلاثة الأخرى مقيدة.
كان في أوقات فراغه يتغنى برباعياته، وقد نشرها عنه من سمعها من أصدقائه، وبعد عدة ترجمات وصلت لنا كما نعرفها الآن. ويرى البعض أنها لاتنادي إلى التمتع بالحياة والدعوة إلى الرضا أكثر من الدعوة إلى التهكم واليأس، وهذه وجهة نظر بعض من الناس، وقد يكون السبب في ذلك كثرة الترجمات التي تعرضت لها الرباعيات، بالإضافة إلى الإضافات، بعد أن ضاع أغلبها.(3)
حيث يقول في بعض رباعياته
صاحب من الناس كبار العقول
واترك الجهال اهل الفضول
واشرب نقيع السمِّ من عاقلِ
واسكب على الأرض دواء الجَهول (4)
******************
((أحسن الى الأعداء و الأصدقاء
فإنما إنس القلوب الصفاء
و اغفر لأصحابك زلاتهم
وسامح الأعداء تمح العداء
******************
أحس في نفسي دبيب الفناء
ولم أصب في العيش إلا الشقاء
يا حسرتا إن حان حيني ولم
يتح لفكري حل لغز القضاء
*************************
سأنتحي الموت حثيث الورود
وينمحي اسمي من سجل الوجود
هات اسقنيها يا منى خاطري
فغاية الأيام طول الهجود
***
هات اسقنيها أيهذا النديم
أخضب من الوجه اصفرار الهموم
و إن مت فاجعل غسولي الطلى
وقد نعشي من فروع الكروم
***
إن تقتلع من أصلها سرحتي
وتصبح الأغصان قد جفت
فصغ وعاء الخمر من طينتي
واملأه تسر الروح في جثتي
***
لبست ثوب العيش لم أستشر
وحرت فيه بين شتى الفكر
وسوف أنضو الثوب عني ولم
أدرك لماذا جئت أين المقر
***
نمضي وتبقى العيشة الراضية
وتنمحي أثارنا الماضية
فقبل أن نحيى ومن بعدنا
وهذه الدنيا على ما هيه
*********
الدهر لا يعطي الذي نأمل
و في سبيل اليأس ما نعمل
و نحن في الدنيا على همها
يسوقنا حادي الردى المعجل
***
أفق خفيف الظل هذا السحر
وهاتها صرفا وناغ الوتر
فما أطال النوم عمرا ولا
قصر في الأعمار طول السهر
***
اشرب فمثواك التراب المهيل
بلا حبيب مؤنس أو خليل
و انشق عبير العيش في فجره
فليس يزهو الورد بعد الذبول
***
كم آلم الدهر فؤادا طعين
و أسلم الروح ظعين حزين
وليس ممن فاتنا عائد
أسأله عن حالة الراحلين
***
يا دهر أكثرت البلى والخراب
و سمت كل الناس سوء العذاب
ويا ثرى كم فيك من جوهر
يبين لو ينبش هذا التراب
***
وكم توالى الليل بعد النهار
وطال بالأنجم هذا المدار
فامش الهوينا إن هذا الثرى
من أعين ساحرة الإحورار
***
أين النديم السمح أين الصبوح
فقد أمض الهم قلبي الجريح
ثلاثة هن أحب المنى
كأس و أنغام ووجه صبيح
***
نفوسنا ترضى احتكام الشراب
أرواحنا تفدى الثنايا العذاب
و روح هذا الذي نستله
ونستقيه سائغا مستطاب
***
يا نفس ما هذا الأسى والكدر
قد وقع الإثم وضاع الحذر
هل ذاق حلو العفو إلا الذي
أذنب والله عفا واغتفر
***
نلبس بين الناس ثوب الرياء
و نحن في قبضة كف القضاء
وكم سعينا نرتجي مهربا
فكان مسعانا جميعا هباء
***
لم تفتح الأنفس باب الغيوب
حتى ترى كيف تسام القلوب
ما أتعس القلب الذي لم يكد
يلتام حتى أنكأته الخطوب
***
عامل كأهليك الغريب الوفي
واقطع من الأهل الذي لا يفي
و عف زلالا ليس فيه الشفا
واشرب زعاف السم لو تشتفي
***
أحسن الى الأعداء و الأصدقاء
فإنما إنس القلوب الصفاء
و اغفر لأصحابك زلاتهم
وسامح الأعداء تمح العداء
***
عاشر من الناس كبار العقول
وجانب الجهال أهل الفضول
واشرب نقيع السم من عاقل
واسكب على الأرض دواء الجهول
***
يا تارك الخمر لماذا تلوم
دعني الى ربي الغفور الرحيم
ولا تفاخرني بهجر الطلى
فأنت جان في سواها أثيم )) (5)
1- منتديات ملوك العراق www.iraqim.com
2-دكتور/عبد المنعم الحفني، عمر الخيام والرباعيات، دار الراشد، القاهرة، 1992، ص 14
3-منتدى النخبة الادبية / برق الضاد /عائد بدر
4-http://ar.wikipedia.org/wiki/عمر_الخيام#
5-رباعيات عمر الخيام /ترجمة احمد راميwww.aljlees.com
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية