قصص من كارثة شنكال …(109)
الباحث/ داود مراد ختاري
وهربنا حيثما الناس يهربون وفقدنا أعز الناس للقلوب.
في ليلة الثاني من آب عام 2014 توترت الأوضاع في منطقتنا “شنكال” توتراً شديداً وعشنا جميعاً ليلةً من الذعر والردع والترهيب لا مثيل لها، ليلةً ظلماء أفتقدنا فيها البدرَ والأمنَ والأمان، حيث هاجمتنا عصابات دولة الخلافة الإسلامية “داعش” أشرس هجوم.
وقال السيد (خلف الياس بشار- مدرس للغة العربية في تل قصب): حملن أسلحتنا الخفيفة ووقفنا على حدود قريتنا الصغيرة_قرية عزير_ التي تقع قرب مجمع تل قصب جنوب شنكال على حدود القرى العربية لنحافظ على ما تبقّى من أنفاسنا حتى طلوع الشمس، وعندما طلَّ علينا الصباحُ حزينا كئيباً في 3/8/2014 فرَّ الأهالي من بيوتهم وكأنهم يهربون من الجهنم، الأخ لا يسأل عن أخيهِ والحفيدُ لا يلتفت لجدّهِ وجدّتهِ وكأنه يوم القيامة وكلٌّ من يعلقُّ بحبلهِ، تشتت العوائل وتفرقت الأهالي بيدَ أن مقصد الكل كان الجبل والوصول إليه. أنا وعائلتي المكونة من عشرِ أفراد ركبنا سيارتنا نوع “اولدزموبيل صالون” وهربنا حيثما الناس يهربون بإستثناء إبني الكبير (زيدان) الذي لا نعلم عنه شيئاً، وصلنا إلى شنكال وسط ازدحامٍ شديد وعند مدخل المدينة تعطلت سيارتنا وترجلنا منها وفي تلك الأثناء وبينما نحن نتوجه إلى بيت أختي داخل المدينة سيطرت عصابات داعش على المدينة وطرقاتها، حاولن الهروب مشيا على الاقدام إلّا أن أمي كانت مريضة ولا تستطيع المشيَ مسافات طويلة دون استراحة فأُلقيَ القبض علينا جميعاً من قِبَلِ عصابات داعش قرب قرية “كاني عيدو” جنوب غرب شنكال على بُعدِ كيلومترٍ واحد غرب قرية “النسيرية” عائلة أختي المكوّنة من ثلاث أفراد وعائلة جاري، المكونة من تسعِ أفراد وقُرابة عشرةٍ آخرين لا نعرفهم، حيث ألقوا القبض علينا رشقونا بإطلاقاتٍ نارية كثيفة بهدف تخويفنا ثم جُمِعنا في مكانٍ واحد وعندما تجمّعنا أيدينا للإستسلام طلبوا منّا النزول إلى وادٍ عميق هناك قد أُحيط بالمسلحين وهم على أهبّة الإستعداد لقتلنا دون أن يرف لهم جفن.
تحدث الينا شخص قال:أنا الشيخ ابوهلال الآن القينا القبض عليكم وانتم تحاولون الهروب من الدولة الاسلامية وانتم الآن اسرى لدينا فامامكم خيارين الاول: أن تدخلوا الإسلام بارادتكم وحينها سننقلكم الى مجمع تل بنات جنوب شرق شنكال حوالي 22 كم وستعيشون حياة اعتيادية بصفتكم مسلمين وسنتزوج منكم وتتزوجون منا . اما الثاني فقال : إذا رفضتم الدخول في الاسلام سوف ناخذكم الى مجمع القحطانية تابع لقضاء بعاج اداريا بصفتكم اسرى وجواري للدولة الاسلامية وستبقون هناك الى ان ياتي قرار بحقكم . وقلناهم : إذا كنتم ستنتظرون الى أن يأتي قرار بحقنا فدعونا أن نبقى في قريتنا هذه واشرنا الى قرية النسرية القريبة من الجبل لان فيها امتعتنا وارزاقنا وايضا سننتظر قراركم كنا نرغب البقاء في النسيرية لانها قريبة من الجبل وربما نتمكن من الهروب بسهولة وبعدها اجرى مكالمة هاتفية وافق على بقائنا في قرية المذكورة بشرط ان لا نخرج من القرية الى ان يأتي ويصدر لنا هويات خاصة بدونهم وبخلاف هذا سوف نقتل فوافقنا على الفور ومسكنا في تلك القرية أثنا عشر يوما ولم يات احد منهم خلال هذه الفترة .
وعندما حدثت فاجعة كوجو في يوم الجمعة 15/8/2014 دبَّ السكون في الارض توقفت الطرقات عن الحركة وامست شنكال بكافة ضواحيها كمدينة مهجورة عفت الحياة ولا قلب فيها ينبض . وكانت هذه هي فرصتنا الاخيرة للهروب من الجحيم وعندما حل الظلام انقسمنا الى مجموعات، قسم هرب من جهة الغرب ونحن هربنا هذه المرًّة من جهة الجنوب للمدينة نحو الجبل ونحن ايضا انقسمنا الى مجموعتين من نفس الطريق خوفا من احداث الضوضاء اثناء المشي بين البساتين وافترقنا قبل خروجنا من القرية. خرجنا من القرية وابتعدنا من الطريق المؤدي الى الجبل قليلا باتجاه الجنوب لنبتعد عن نقاط التفتيش والحراسة وصلنا الى الطريق المؤدي الى الموصل من شنكال عند منطقة صولاغ في تمام الساعة الثانية عشرة ليلا وتوقفنا قليلا الى ان توقفت المركبات عن السير لوهلة ثم عبرنا الطريق.
حاولنا قدر الامكان أن نبتعد عن المنـــــــــاطق المنيرة بالاضواء إلى أن وصلنا إلى اطراف الجبل في منطقة (رشكا Rashaka) بحـــدود الساعة الرابعة صباحا ويبدو أنهم قد لمحوا خيـــالنا او سمعوا اصواتنا فطاردونا مطاردةً عشوائية وسلطوا علينا اضواء الليزرات وأخــــــذوا يبحثون عنّا في تلك المناطق لمدة نصف ساعة تقريبا لكنهم لم يعثروا علينا وعــادوا الى مقرّهم في برج الاتصالات في منطقة (صولاغ) وحينها قررنا ان نستريح لبضع دقــــــائق بعد ان كلَّ متنا من الركض والخوف والعطش وفي تلك الاثـــناء توفيت أمي قرب مزار( محما رشا) وانشغلنا بدفنها حتى طلوع الشمس وثم اكملــنا المسيرة الى الجبل بقينا في الجبل يومين بماءٍ شحــــيح لا يصلح للشرب في الظروف الاعتيادية ودون زاد وفي اليوم الثاني توفـــــــيت أختي ايضا وفي اليوم الثالث وصلـــنا الى قمة الجبل حيث الامان نسبيا وتنفسنا الصعداء قليلا وبعد وصلة تلقينا مكــــــــــالمة هاتفية من أحد الاقرباء نعى الخبر مقتل اختي الكبيرة ايضا مع زوجها وبقية افراد عائلتها الذين كـــــــــانوا في الوجبة الثانية عند هروبنا .
وهكذا وصلنا وبعد معانـــات وخسائر في الارواح الى مخيم نوروز في سوريا يوم 21/8/2014 وفي اليوم التالي شددنا رحــالنا إلى أقليم كوردستان وهناك التقينا ب(زيدان).
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية