أكتوبر 23, 2025

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

مأساة إيزيدية تركيا قبل قرن في مذكرات (ميرازي) / الحلقة (19 و20)

مأساة إيزيدية تركيا قبل قرن في مذكرات (ميرازي)

إعداد وترجمة: الباحث/ داود مراد ختاري

الحلقة (19 و20)

نحن الفتية الخمسة الكورمانج من القرية كان لنا موقف واحد، ومتفقون، لمدة شهر لم يكن هناك دروس، كان علينا تعلم الدروس الماضية، وحفظها جيدا للتحضير للامتحان، ولهذا كان أربعة- خمسة فتية يتفقون في المدرسة على استئجار غرفة ومراجعة الدروس فيها ليلا ونهارا، وحفظ الدروس فيها، ونحن الخمسة كنا قد استأجرنا الغرفة، محمود كان تركيا وهو أخ ممد أفندي كاتب النفوس، وبقى معنا في الغرفة للدراسة معا.

أخوه كان يشرب الخمر، قال لنا محمود: – تعالوا معا نذهب إلى هايرو الدنجي، لشراء العرق، وشربه هنا. تناول الخمور كان ممنوعا، الأتراك كان يشربونه، وذلك بسرية، لكننا اقتنعنا بكلام محمود، وذهبنا، ومن الهايرو أخذنا كل واحد نصف كأسا من عرق الكشمش، وجلبناه إلى الغرفة. أغلقنا الباب على نفسنا، كي لا يحس أحد بفعلتنا، الخبز والجبن موجود، سوف نفرش سجادا. الآن لم تأخذنا النشوة بعد، الأول يقول للثاني: “في البداية اشربها أنت”… وكنا خائفين من تناولها بحرية، نرشف نقطة – نقطتين، ونقول للبعض: “احرقها”.

ولم يكن هذا مهما كثيرا، الشرب أولا صار من نصيب محمود. قلنا له: “أنت تركي، اشربها أولا، وبعدها سنشربها جميعا”. على كل حال أقتنع محمود. وكي لا أطيل عليكم حتى العصر نحن الفتية الستة استطعنا إنهاء تلك النصف قدح، ولكن هايرو الدنجي في اليوم الواحد كان يشرب عشرة كؤوس منها، بدون أن يهتم للأمر.

كل واحد منا بعد الشرب غسل فمه عشرة مرات، كي يتخلص من رائحتها، وإذا أحس أحد بنا فالجلد المبرح سيكون من نصيبنا، ولكنا ببساطة تخلصنا منها. ولم أرَ وجه العرق بعد ذلك، حتى عمي بكر في بلدة إغدر كان خادما حينها ناولني كأسين أحدهم بإلحاح والأخرى بالقوة، ولذلك كنت قد غبت عن وعي في ليلة وضحاها، وأخواتي كانا يبكيان علي وكأنني مت.

حتى أنهيت الامتحان، العائلة اتجهت نحو المصايف. وقد وصلت اليهم في نقطة تماشا، وقد فرحوا بوصولي إليهم كثيرا بالأخص أمي. وأنا أيضا سعدت برؤيتهم، فمنذ الخريف كنت طيراً داخل القفص، والدروس كانت صعبة علينا، بالكد نستطيع اللحاق بها، ولم يكن لدينا الوقت ولو للحظة في الاختلاط مع الأولاد للعب، وإذا لعبنا معهم مرة، كان علينا الكف عن اللعب بسرعة والعودة إلى الدروس، في الصباح والمساء وعلى طريق الذهاب والإياب للمدرسة كنا نشاهد الأولاد وهم يلعبون، فدائما كنت ألعب حتى أنهك من اللعب، والآن قد خرجت من تحت هذا الجبر، كنت أمير قلبي. كنت أجمع الأولاد ونلعب، حتى المساء لم أكن أحس بالجوع والعطش، بالرغم من كثرة الينابيع المنتشرة في المصايف.

عملنا حتى المساء كان اللعب فقط، وكأنك دائب على درس، كنت متراجعا في تأدية الألعاب، أنا ألعب باحتراف، وقد علمت الأولاد بعض الألعاب الجديدة، تلك الألعاب المتواجدة في (ديادين)، فأطفال القرية لم يكن يعرفونها.

على الهضبة الأمامية للمصيف الذي كنا فيه، كنا نرى من الحدود الايرانية حتى سهل زنكيزوري وبيازيد، وجبال جوبان، قلعة كوجو، ويالوفا حتى ( ديادين)، حتى تاشليجاي ومنها إلى دير نادو، بدو(أسمها كان دير أوجليكليسة) جبال سوران وقوملبوجاخي (قرية والد الكاتب الأرمني الشهير رفيق هراجيا كوجر)، جبال وهضاب الملاقري، تابخيج وقَرَجي، وصولا لمنطقة وادي زيلان على اليسار، ذلك التل الذي لا يرى رأسه واسفله، ومن رحلة الكا، تل نيريا، كهوف شيفَدَري حتى رؤية زوج تندورَك. لم أكن أرَ تندورَك، كانوا يقولون، بأنه مزار، يأخذون القرابين لذبحها هناك. من فوقه يخرج الدخان الأحمر والأخضر، تشبه التنور، يجهزون لحوم القرابين على تلك النار. حسبما أظن أنها كانت بوابة بركانية، وآثارها مازالت متماثلة.

المصيف كان يليق بأسمه (تماشة)، ذلك المصيف الذي ترتاده عائلتنا في الصيف.، كان فيه عينان للماء العذب، كانت إحدهما هو لآل الآغا، ولم يكن يذهب إليه أحد غيرهم، وأخرى في قدمات أو بيدا، كانت للقرويين. وجداول البلكية أيضا كانت تخرج من نبع أو بيدا، البلكية كانوا باقين في القوس، كان الرياح فقط تهب عليهم، وزرقة النهار أيضا. مرات في أوقات الحر، كانوا يضعون الأغنام على بوابة سلَكية ويضعونها هناك، بعض الأغنام السيئة كانوا يتركوها على ثلج البلكية، الرعاة كانوا يقولون:- “إنهم يريدونها أذناب وأمعاء محمصة”.

في أوبيدا كانت هناك أرملة جاهلة، أسمها كَوي. خلوت بي مرة وقالت لي:

– أحمد، أسمري تحبك.

حينها لم أكن أعلم عن (الحب) شيئا، وقد قلت لها:

– انا لدي سمرائي، – وركضت هاربا حتى وصلت إلى الأطفال.

وفي المرة الثانية أيضا لم تستفد كَوي شيئا مني، وفي المرة الثالثة خلوت بي، أمسكت يدي، ألبستني خاتما من النحاس وعليه عاج أحمر وأعطتني كيسا منقوشاً بالازرار الملونة وقالت:

– أسمري أرسلت إليك إشارة.

نظرت إليها بصمت، والصمت إشارة الرضى في بعض الحالات.

وهي كذبة، المرء الضعيف ينخدع بسرعة، وخاصة النساء، يبحثنَ عن ذلك الشخص الضعيف كي يصلن إلى مرادهن، ومن ضعفي استطاعت كَوي أن تعقد علي، وكم من مرات بعد حلب الأغنام في الظهيرة، كوي تلك المرأة ذات القامة القصيرة، وبسرية كانت توصلنا ببعض. أسمري كانت تحتضنني وتقبلني، لكنني لم أكن أفعل. وفي المرة الثالثة علمتني كوي القصيرة القبلات أيضا.

أسمري كانت أكبر مني بالعمر، وكانت فتاة مكتملة، وأنا صحيح بأنني طويل بالقامة، لكنني لم أكن حسنا في الشكل، وضعيفا في المظهر، وأنفي كان أكبر من أنوف الأخرين بقليل. حسبما أعتقد بأن أسمري لم تكن عاشقة لي، بل بنصيحة كَوي القصيرة عشقت مستواي في الدراسة وكذلك ملابسي، وخاصة تلك القياتين الملونة على كتفي، وصرة السوداء. حتى نهاية العطلة تعودت على تلك الفتاة، ومن حسن الحظ، بعد ذهابي للدراسة وعودتي بعد شهرين للبيت قالوا: “لقد تزوجت أسمري وذهبت”. وبهذا لم يرَ مرادي ومرادها النور.

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi