مصادر لـ «العالم الجديد»: إيران أبلغت الإطار التنسيقي رفضها التجديد للسوداني
يشهد العراق صراعاً سياسياً متصاعداً مع اقتراب موعد الانتخابات، إذ يسعى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى تجديد ولايته بدعمٍ من بعض أطراف الإطار التنسيقي الشيعي، غير أن هذا المسعى يواجه معارضة قوية من أجنحة أخرى داخل الإطار نفسه، ولا سيما المقربة من طهران، وعلى رأسها نوري المالكي الذي يرفض بشدة عودة السوداني إلى رئاسة الحكومة.
وفي محاولة لحسم الموقف، لجأ قادة الإطار إلى التواصل مع الجانب الإيراني للحصول على رأي واضح، إلا أن الرد جاء بالرفض القاطع لتولي السوداني رئاسة الحكومة مجدداً، مما زاد المشهد السياسي تعقيداً.
في المقابل، تُظهر واشنطن رضاً ودعماً ملحوظاً للسوداني، خصوصاً بعد تسلّم مارك سافايا مهامه مبعوثاً رسمياً إلى العراق، حيث عبّر عن تقديره لأداء حكومة السوداني خلال السنوات 3 الماضية.
يعكس هذا الصراع حجم التنافس الإقليمي والدولي على النفوذ في العراق، ويؤكد في الوقت ذاته تعقّد المشهد السياسي الداخلي ومدى تأثيره المباشر على استقرار البلاد ومستقبلها السياسي.
“رفض إيراني قاطع “
وقالت مصادر سياسية مطلعة لـ”العالم الجديد” اليوم الأربعاء (5 تشرين الثاني نوفمبر 2025)، إن “قوى الإطار التنسيقي أجرت اتصالات مع طهران للحصول على موقفها من تولي محمد شياع السوداني منصب رئيس الوزراء”، مشيرة إلى أن “الرد الإيراني جاء بالرفض بعد أسابيع من المباحثات، بسبب تقديرات إيرانية ترى أن السوداني بات أقرب إلى الولايات المتحدة الأمريكية”.
“ائتلاف السوداني يتآكل من الداخل”
وأوضحت المصادر، أن “الرد الإيراني أدى إلى تصاعد الانقسامات داخل تحالف الإعمار والتنمية الذي يقوده السوداني، إذ بدأت بعض القوى المقربة من إيران داخل التحالف بالابتعاد عن توجيهاته وتحفظها في التعامل معه، ما انعكس على وحدة الموقف السياسي للتحالف في الحملة الانتخابية”.
وذهبت المصادر إلى القول إن “إيران كثفت نشاطها في العراق بشكل كبير قبيل الانتخابات، إذ قررت تعيين مبعوث مباشر إلى العراق بعد خطوة واشنطن الأخيرة بتسمية مبعوث خاص لها، دون أن يتضح ما إذا كان المبعوث الإيراني هو إسماعيل قاآني أو شخصية أخرى”، في مؤشر على دخول المرحلة المقبلة من العلاقة بين بغداد وطهران وواشنطن في مسار أكثر حساسية وتنافساً”.
“قبول أمريكي حذر”
أما واشنطن، فتبدو الأقرب إلى محمد شياع السوداني، إذ لا تُبدي اعتراضاً على تجديد ولايته مقابل شرطها الثابت والمعلن: “الحدّ من نفوذ إيران داخل العراق”، وقد عبّر المبعوث الأميركي إلى العراق مارك سافايا، عن ارتياحه لأداء السوداني بشكل مباشر، في البيان الصادر بتاريخ (31 تشرين الأول أكتوبر 2025)، قائلاً: “على مدى السنوات الثلاث الماضية، اتخذت القيادة العراقية خطوات مهمة لوضع البلاد على المسار الصحيح سياسياً واقتصادياً. لقد بدأ العراق يستعيد مكانته كدولة ذات سيادة، تعمل على تقليص التأثيرات الخارجية، وحصر السلاح بيد الحكومة الشرعية، وفتح أسواقه أمام الشركات العالمية للمساهمة في إعادة الإعمار وتطوير البنية التحتية الهشّة”.
هذا الموقف الأميركي يعكس بوضوح رغبة واشنطن في دعم حكومة مستقرة قادرة على تحقيق توازن بين مصالحها ومصالح القوى الإقليمية، دون أن تسمح بعودة النفوذ الإيراني إلى مستويات ما قبل حكومة السوداني.
لكن، “العمل لم يكتمل بعد، والعراق ما يزال يحتاج إلى دعم مستمر حتى يبقى على هذا الطريق”، بحسب بيان سافايا.
وأضاف، أن “حكومة الولايات المتحدة وضّحت بصراحة لا يوجد مكان لجماعات مسلّحة تعمل خارج سلطة الدولة. استقرار العراق وازدهاره يعتمد على توحيد القوات الأمنية تحت قيادة حكومة وحدة واحدة والقائد العام للقوات المسلحة، وبعلم واحد يمثّل كل العراقيين. بدون هذه الوحدة، سيادة العراق وتقدّمه يظلون في خطر”.
وتابع، أن “مصالح الشعب العراقي والمنطقة الأوسع تعتمد على عراق كامل السيادة، وخالي من التدخّل الخارجي الخبيث، بما فيه من إيران ووكلائها، ومكرّس لخدمة مواطنيه والعيش بسلام مع جيرانه. بهذا الإطار، الوحدة والتعاون بين السلطات الاتحادية والإقليمية ضرورية حتى نضمن أمنا دائما، ونموا اقتصادي، وتماسكا وطنيا”.
“مطحنة الخصوم”
تبدو مهمة محمد شياع السوداني في الحصول على ولاية ثانية لرئاسة الوزراء بالغة التعقيد، وتزداد صعوبة مع اقتراب موعد الانتخابات، بفعل الضغوط المتصاعدة التي يواجهها من خصومه في الداخل، وأحياناً من شركائه داخل الإطار التنسيقي نفسه.
وقد وجد السوداني نفسه اليوم في قلب “مطحنة سياسية” داخلية، تتقاطع فيها المصالح وتتصادم فيها الطموحات، ما يجعل مستقبله السياسي رهناً بقدرته على المناورة بين هذه التوازنات المتغيرة.
ووفقا لعضو ائتلاف دولة القانون إبراهيم السكيني، في تصريح صحفي سابق (18 تشرين الأول أكتوبر 2025)، تابعته “العالم الجديد”، فإن “السوداني يواصل تحركاته لضمان البقاء في السلطة، من خلال اتباع سياسات تهدف إلى كسب رضا الإدارة الأمريكية والإسرائيلية والإيرانية”.
وأضاف، أن “رئيس الوزراء الحالي لن ينجح في الحصول على ولاية ثانية، في ظل الاستياء من أدائه وتقاربه مع جهات مرفوضة شعبيا، من بينها قادة مجموعات متطرفة ومطبّعون مع إسرائيل”، مؤكدا أن “القرار النهائي سيكون بيد الشعب، الذي سيقول كلمته في الانتخابات المقبلة بعيدا عن الضغوط الخارجية والتدخلات الأمريكية”.
في الجانب الآخر، قال عضو ائتلاف دولة القانون عارف الحمامي، إن تولي السوداني رئاسة الوزراء مرة أخرى “أمر مستبعد تماماً، بل إن دولة القانون هي من تتوفر لديها جميع المؤهلات ليكون رئيس الوزراء منها، وهذا هو المرجح”.
وأوضح الحمامي في حديث تابعته “العالم الجديد”، (1 أيلول سبتمبر 2025)، أن “منصب رئيس الوزراء يشترك فيه عدة عوامل، أولها نتائج الانتخابات، وثانيا التوافق داخل البيت الشيعي والمرجعية، وثالثا مقبولية المرشح ووضعه وعلاقاته الداخلية والإقليمية والدولية”.
وكانت “العالم الجديد” قد كشفت في تقرير سابق، عن توصل السوداني إلى تفاهمات مبدئية لتجديد ولايته مع كل من زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، وزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، إضافة إلى دعم من رئيس ائتلاف النصر حيدر العبادي، وأطراف أخرى لا تملك طموحا مباشراً لتولي رئاسة الوزراء، وتسعى للحصول على حصص وزارية في الحكومة المقبلة.
ويستعد العراق لإجراء سادس انتخابات برلمانية بعد عام 2003، المقررة في 11 من شهر تشرين الثاني نوفمبر 2025، في أجواء مختلفة عن جميع الدورات السابقة، إذ تأتي وسط تصاعد الجدل حول ملف سلاح الفصائل المسلحة وضرورة حصره بيد الدولة، بالتزامن مع مقاطعة التيار الصدري للانتخابات بوصفه أحد أبرز القوى السياسية المؤثرة.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية
