جمع مياه مهدرة 3 اضعاف الخزين الحالي بـ2% من صادرات النفط.. عن اتفاقية المياه العراقية التركية
لاتزال الأسئلة وعلامات الاستفهام الكبيرة تشغل العراقيين بشأن اتفاقية المياه العراقية التركية، فهذه الاتفاقية هي الأولى من نوعها على الاطلاق بين العراق وتركيا، المصدر الرئيسي لـ”شريان الحياة” بالنسبة للعراق، فلم يسبق ان وقع العراق اتفاقية مائية مع تركيا الامر الذي تسبب باستمرار ازمة المياه وظهور التوتر العراقي التركي بشأن هذا الملف طوال السنوات الماضية.
طوال العقود الماضية، كان الحديث متوقف عند نقطة واحدة، نقطة تحولت الى عقدة لاتفضي الى حل، تتلخص باعتقاد مختلف عليه بين العراق وتركيا، فبينما يرى العراق ان نهري دجلة والفرات نهران دوليان عابران للحدود، لذلك فإن تركيا ملزمة بتوفير اطلاقات مائية مناسبة للعراق، ترى تركيا عكس ذلك، وأن النهرين تركييين بالكامل لانهما ينبعان من داخل الحدود التركية، وليسا نهران عابران في تركيا وصولا الى العراق.
في هذه النقطة من النقاش توقف الزمن خلال العقود الماضية، لكن يبدو ان الحكومة العراقية اكتشفت ان هذا الامر لم يعد يجدي نفعا، فالمسألة بقيت جدلية، وتناقص المياه والجفاف بدأ يكبر في العراق دون خطوة الى الامام، وبذلك قررت بغداد ولأول مرة ان تتجاوز الاعتقاد الجدلي الذي لم يعد يجدي نفعا كما يبدو.
مسألة الاتفاق على حصص مائية محددة، ينظر اليها على انها غير منطقية، فتركيا لن تتعهد برقم محدد من الاطلاقات المائية للعراق في معاهدة طويلة الأمد، لانها لا تعلم ما الذي سيحصل بعد عام من الان، وكم ستنقص الإيرادات المائية لديها أساسا، وكم سيستمر انحباس الامطار، فمن غير المنطقي ان تتعهد تركيا بـ500 متر مكعب بالثانية من الاطلاقات على سبيل المثال، وبعد سنوات يصبح كل ما يردها من دجلة والفرات لا يتجاوز الـ400 متر مكعب بالثانية على سبيل المثال.
لذلك، لم تتضمن اتفاقية المياه بين العراق وتركيا أرقاما محددة عن الاطلاقات المائية، بل ان الاتفاقية الموقعة قبل أيام هي “الية تمويل اتفاقية سابقة”، الاتفاقية الاطارية لادارة المياه التي وقعها السوداني مع اردوغان العام الماضي، فالحكومة العراقية يبدو انها وجدت منفذا مختلفا لاقناع تركيا بتوفير اطلاقات مائية جيدة دون ان تطلب منها ذلك او ان تثبت الامر في معاهدة مكتوبة، فالاستراتيجية ذهبت نحو تشغيل شركات تركية في مشاريع مائية بالعراق، لذلك ولاتمام الامر جيدا، ستكون تركيا ملزمة باطلاق كميات من المياه تسمح بتشغيل المشاريع التركية المنفذة في العراق، فالاتفاقية الاصلية تتضمن إدارة المياه وتحسين البنى التحتية المائية وتنفيذ السدود، وكل ذلك ستقوم به شركات تركية، اما الية التمويل التي تم توقيعها قبل أيام، فهي تضمن ان تتحول أموال النفط المصدر الى تركيا، الى شركات تركية أخرى تنشئ المشاريع المائية في العراق.
تستورد تركيا من العراق حوالي 90 الف برميل يوميًا من النفط الخام من اصل حوالي 700 الف برميل يوميا تستوردها تركيا من دول العالم المختلفة، وتوفر هذه الكميات العراقية من الصادرات، بين 1.5 الى 2 مليار دولار سنويًا، بالمقابل يحتاج العراق حوالي 40 سدا من سدود الحصاد المائي، وهي سدود صغيرة لا تتجاوز سعتها ملايين المترات المكعبة، ومهمتها حفظ مياه الامطار والسيول فقط، ولا تنصب على الأنهر الكبيرة، لذلك فإن كلفتها تكون قليلة، فعلى سبيل المثال افتتحت كردستان قبل اشهر سد حصاد لم تتجاوز كلفته الـ4 ملايين دولار، واذا ما احتسبنا معدل كلفة سدود الحصاد التي يحتاجها العراق في احسن الأحوال عند 5 ملايين دولار للسد الواحد، فهذا يعني ان كلفة الـ40 سدا التي يحتاجها العراق ستبلغ 200 مليون دولار فقط، أي تعادل صادرات العراق من النفط الى تركيا لمدة 40 يومًا فقط، او بعبارة أخرى فإن كمية النفط التي يصدرها العراق الى تركيا يوميا، تكفي لانشاء سد حصاد مياه يوميًا.
لذلك، فإن إيرادات النفط المصدر من العراق الى تركيا البالغة اكثر من 1.5 مليار دولار، ستكون كافية لانجاز سدود الحصاد وعشرات المشاريع الأخرى لتحسين البنى التحتية المائية، وكل ذلك للحفاظ على ضائعات وهدر مائي سنوي كبير من العراق، فعلى سبيل المثال، يفقد العراق حوالي 10 الى 14 مليار متر مكعب سنويا نتيجة التبخر والاطلاقات الى البحر لدفع اللسان الملحي وسقي المزروعات بالغمر وليس بالتقنيات الحديثة، وهذه الكمية لوحدها تعادل حوالي 3 اضعاف الخزين الحالي البالغ 4 مليار متر مكعب.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية
