أكتوبر 13, 2025

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

جلال شيخ علي: كركوك والتعريب الناعم

كركوك والتعريب الناعم

جلال شيخ علي 

في محافظة كركوك، التي طالما كانت رمزًا للتنوع القومي والتاريخ العريق للكورد والمكونات الأخرى يطفو إلى السطح أسلوب جديد من أساليب التعريب، قد لا يبدو صداميًا في ظاهره، لكنه يحمل في طياته مخاطر وجودية عميقة. فمؤخرًا، تصاعدت وتيرة شراء الأملاك والعقارات من المواطنين الكورد، من قبل أشخاص مدعومين من جهات مجهولة، بأسعار مضاعفة لا تعكس القيمة السوقية الحقيقية، بل تعكس نية مبيتة لتغيير ديموغرافي ناعم وخطير.

تُعرض على العائلات الكوردية في كركوك عروض مغرية لبيع ممتلكاتهم، في وقت يشهد فيه إقليم كوردستان أزمة اقتصادية نتيجة لقطع الحكومة الاتحادية رواتب الموظفين وقوت شعب كوردستان ومستحقات الاقليم المالية الاخرى ، هذه الأزمة، التي أثرت على دخل المواطن الكوردي، جعلت الكثيرين يفكرون في البيع للخروج من عنق الزجاجة، دون أن يدركوا أن ما يبدوا حلاً آنياً قد يكون بداية نهاية لوجودهم في مدينتهم.

في الوقت الذي تنشغل فيه حكومة إقليم كوردستان في صراعها المستمر مع بغداد بشأن المستحقات المالية وملفات النفط والرواتب، يجري في كركوك تنفيذ سياسة ممنهجة لتغيير تركيبتها السكانية. هذا الانشغال السياسي للإقليم، إلى جانب غياب رد فعل حازم من قبل القوى الكوردية والمؤسسات الكوردستانية، يمنح منفذي هذه الخطة أرضًا خصبة للتحرك بهدوء ودون رقابة.

ما يحدث في كركوك لا يمكن فصله عن السياسات القديمة الجديدة التي تهدف إلى تعريب المدينة. ففي الماضي، كانت أدوات هذه السياسة هي التهجير القسري وتغيير الحدود الإدارية، أما اليوم فهي تتجلى بأسلوب اقتصادي ناعم: الإغراء المالي مقابل التخلّي عن الأرض.

السؤال الذي يفرض نفسه الآن: ما هو مستقبل الكورد في كركوك إذا استمرت هذه السياسة؟

هل يمكن أن يستيقظ الجيل القادم على مدينة فقدت طابعها الكوردي وهويتها الأصلية؟

وهل تتحول كركوك من رمز للتنوع إلى نموذج للهيمنة القومية الأحادية؟

يرى مراقبون انه من الضروري أن تدرك القيادة الكوردية، بجميع أطيافها، أن معركة كركوك لا تُخاض بالسلاح فقط، بل أيضًا بالاقتصاد والعقارات والإعلام. إن الصمت أو التهاون في مواجهة هذه السياسات سيكلف الكورد وجودهم التاريخي في المدينة.

يقع جزء من مسؤولية ما يحدث في كركوك على عاتق ابناءها ايضا، إذ يجب عليهم أن يكونوا واعين لخطورة ما يجري، وأن يدركوا أن بيع ممتلكاتهم في هذه الظروف ليس مجرد صفقة مالية، بل هو تخلي عن جزء من الهوية القومية، لأن كركوك ليست مجرد مدينة غنية بالنفط أو موقعًا استراتيجيًا، بل هي جزء لا يتجزأ من الوجدان القومي الكوردي. وما يجري اليوم من عمليات شراء ممنهجة ومريبة، هو استمرار لسياسات تعريب لم تتوقف يومًا، بل غيّرت جلدها وأساليبها.

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi