الباحث/داود مراد ختاري
الناجي من المجزرة (علي عباس اسماعيل المندكاني 1964) كان معلماً في مدرسة القرية، عن كيفية نجاته من المجزرة قائلاً:
في يوم 3-8 – 2014 انسحب المقاومون، ونزح بعض سكان قريتنا ، كنت انا وعائلتي مع عائلة زميل لي كان لديه دار في شنكال، توجهنا الى المدينة، بقينا في دار زميلي، اردنا الخروج، وعند منارة شنكال رميت علينا إطلاقات نار فتراجعنا وعند (جامع عبد الرحمن) إقتفوا أثرنا ، فإختبأنا في خربة كانت بطريقنا الى الثالثة عصرا، قال زميلي، سنذهب الى بيت احد معارفنا (حسن حمادة), عددنا كان (40) فرداً، لذلك توزعنا وجبات كل عشرة في سيارة جميعنا من اهل كوجو، وكان الكثير من ألأهالي قد خرجوا في البداية، لكن استشهدوا في (مركز مدينة شنكال، شقق فيان، قنىَ).
الوجبة الاولى وصلت الى الدار المعني، اما الوجبة الثانية كنت فيها مع عائلتي واخرين، القي القبض علينا من قبل الدواعش، سلبنا وكان معي (18000000) ثمانية عشر مليون دينار وكمية كبيرة من الذهب والمجوهرات والمستمسكات الرسمية للعائلة .
في الساعة الثالثة اتصلوا بنا ليعلمونا أن هناك اتفاقية بين أمير داعش (ابو حمزة الخاتوني) و شيخ المندكان في كوجو (أحمد جاسو)، واكدوا الخبر، واعطونا الامان .
كان في نية هذا الامير نزول كافة العوائل الشنكالية من الجبل، ليتم ابادتهم بالكامل، لذا كان يطلب من (احمد جاسو) الاتصال مع كافة شيوخ العشائر الايزيدية، ويدعي ان لهم (الأمان) ، وإنه لا يرضى لهم الموت من الجوع والعطش، لذا من الافضل لهم العودة الى ديارهم، بهذا إطمئن (أحمد جاسو) وبقية أهالي كوجو وفضلوا عدم الخروج لذلك كانوا يعتقدون أن البقية سيعودون من الجبل الى قراهم، لكنهم لم يدركوا المكيدة .
بعد ساعتين اتصلنا بالقرية أكدوا بأنهم في أمان ولم يمسهم أحد حتى ان أحداً لم يوجه لهم كلمة، وأكدوا أن حين عودتكم إحملوا الرايات البيضاء على سياراتكم وفي الطريق عند السيطرات بينوا لهم نحن من جماعة (الشيخ أبو حمزة الخاتوني) , وهكذا اتفقنا على العودة وفي الزقاقات داخل المدينة تعرضنا الى التفتيش والتساؤلات وارادوا ايذائنا، في البداية سرقوا منا سيارة تويوتا دبل قمارة (مرزي)، وبقت عندنا اربعة سيارات، وفي سيطرة جنوب المدينة ، سألونا من أنتم ؟ قلنا نحن من جماعة (الشيخ أبو حمزة الخاتوني) .
قالوا : ولكن عليكم الان أمامنا أن (تسلموا- تدخلوا دين الإسلام )، تنطقون الشهادة، وتتركوا عقيدتكم، لندعكم تخرجوا من المدينة، ثم سألوا، ما هذه قطع القماش في سياراتكم، فقلنا: الرايات البيضاء أي السلام، فرد علينا، وهل تحسبونا من الأعداء؟! وبدأ يسأل السائق عن ماهية عقيدة الديانة الايزيدية ؟، وبعد التشاور بينهما، ماذا نفعل لهؤلاء الايزيدية، وكانوا خليط من ( كجلة، متيوتة، عفرية، خاتونية)، ثم قالوا عليكم السير خلف سيارة الاسعاف كانت عائدة لهم، توجهت الاسعاف نحو مركز المدينة عند (جامع الرحمن)، وهناك بدأوا بالتشاور حول مصيرنا، ثم اعادونا الى نفس السيطرة مرة أخرى وقد سمعتهم، قالوا ماذا نفعل بهؤلاء (أصحاب الدشاديش)؟
وسرنا خلفهم وبأمرهم مرة أخرى الى جامع عبد الرحمن، ولكن قبل الوصول اليه، قالوا (اذهبوا الى قريتكم)، ويبدو انهم تلقوا مكالمة هاتفية، فتوجهنا نحو القرية، وفي الطريق كانت هناك سيطرة أخرى، واكدنا لهم اننا من جماعة (الشيخ أبو حمزة الخاتوني)، وحين وصولنا الى القرية، كانوا قد أخذوا السلاح من أهالي القرية، وقد أمهلوا الأهالي في يوم الاربعاء 6-8 حتى يوم الاحد 10-8 ، مخيرينهم بين الأسلام او قطع الرؤوس.
كانت هناك اتفاقية بين الخاتوني مع أهل الحاتمية أيضاً، خلال هذه الفترة كان (أحمد جاسو) يتحرك ويتصل مع شيوخ العرب من اجل ايجاد مخرج لانقاذ الاهالي، احد شيوخ العرب كتب له اية التوبة، واحمد جاسو سلم اية التوبة الى الخاتوني وعندما قرأها الخاتوني رفض ذلك وقال هذه الآية لا تخصكم، هناك حلٌين لا ثالث لهما، إما الاسلام أو قطع الرؤوس، بعد يومين جاءنا مجموعة من أهل القرية ليلاً مبشرين لنا، بان الخاتوني قد أعفى عن القرية مؤكداً بامكانكم ممارسة طقوسكم وعاداتكم وفق الاصول ولا نتدخل في اموركم الدينية، حقاً كانت فرحة كبيرة، وانتشر الخبر بسرعة البرق بين كافة أبناء القرية، وفي هذه الليلة نزح جميع أهل قرية الحاتمية ، متسللين وأناروا جميع الدور، وصاحب المولدة التي تغذي القرية بالانارة، لم يطفئها، بهذه الطريقة لم يحس الدواعش بخروجهم الى ان صعدوا جميعهم الى الجبل، وبعدها بدأوا بتطويق قريتنا من كل الجهات كي لا نفعل مثل ما فعل اهل الحاتمية، في يوم 12-8 جاءت مجموعة من السيارات الى مضيف القرية وتباحثوا مع رئيس العشيرة، وسمعت من الناس بانهم سوف يمنحون الاهالي (بطاقة عدم التعرض)، وعشيرة المندكان تشمل (تل قصب، كوجو، الحاتمية، العزاوية، الشهوانية، عين الفتحي)، وقال هناك اتفاقية مثل ما تعاملوا مع المسيحية، يتم تسليم الاموال والمجوهرات مقابل التوجه الى الجبل، وافقت القرية على الطلب، وفي يوم الجمعة 15-8 ، كنا مجموعة من الشباب متجمعين في احدى الازقة في القرية، رأيت دخول شاحنة حفارة الى القرية ، قلت للشباب ان من وراء مجيء هذه الحفارة مصيبة، وبعدها بساعة قدمت حوالي اربعين سيارة محملة بالدواعش حاملين الرباعيات واسلحتهم مغطاة بالبطانيات، وتوجهوا نحو اعدادية القرية، أمروا الاهالي بالتجمع في بناية الاعدادية، وعليهم جلب الاموال والمجوهرات والموبايلات والسيارات، كافة أهالي القرية تجمعوا في الاعدادية، مصدقين وعود الدواعش بترحيلهم الى الجبل، وفي باب المدرسة كان شخصاً يفتش ويأخذ الموبايلات، ووقفنا في الممرات وكل واحد منا أحضر له قنينة ماء، ووقفنا سياراتنا بالقرب من الاعدادية، طلبوا من النساء بالصعود الى الطابق العلوي والرجال يبقون في الطابق الأسفل، وعندما جاء الامير(ابو حمزة الخاتوني) الى المدرسة طلب ان يأتي اليه (احمد جاسو) ، وطلب من الجميع أن يجمع الذهب والاموال في حقيبة سوداء، نفذ الجميع طلبه، ثم خاطبنا الامير الخاتوني قائلاً (قلنا لكم اتركوا الجاهلية واسلموا، لكنكم لم تستجيبوا لاوامرنا، الان من يود منكم ان يتخلى عن عقيدته سيبقى على داره وامواله وقريته، أما البقية سنخرجهم الى الجبل، ثم قال لهم ألمختار: يا أهالي القرية، أنا سأخرج الى الجبل من يأتي معي فليأتي ومن يود البقاء في القرية فلا مانع له ، أجابه الجميع بصوت واحد سنخرج معك الى الجبل.
ويقول خديدة بابيري من أصدقاء أحمد جاسو، كنت على اتصال مستمر معه، في يوم الخميس قبل المجزرة بيوم محذراً إياه ان لا يأمن جانب هؤلاء، مذكراً بما فعلوه بأهلنا في حردان.
رد علي: كرفاننا المتيوتة هم حلقة وصل بيننا، والان الأمير في الخلافة الاسلامية (ابو حمزة الحميدي) موجود في مضيفنا، والحميدية عشيرة عربية في البعاج، حسب قول الامير سيتم التعامل معنا كما تعاملوا مع المسيحيين في الموصل، وهي عملية تجريدنا من المال والسلاح والمجوهرات وترك القرية للدولة الاسلامية.
وأكمل علي عباس حديثه قائلاً: طالب الأمير الداعشي من أهالي القرية الصعود الى السيارات وجبة وجبة، على وعد الخروج الى الجبل، خرجت أول وجبة من (30- 40) شخص محملين بسيارتين، تم رميهم على حافة وادي بالقرب من القرية (500م) جنوب القرية بالقرب من البرج، لكننا لم نحس بصوت العيارات النارية نتيجة الضوضاء في الداخل، وفي الوجبة الثالثة، صعدت في سيارة نوع (كيا)، ولكن فوجئنا بانه انحدر من الشارع نحو مزرعة فيها ابار ارتوازية، وفي كل بئر امامه حوض ترابي لخزن المياه للسقي، قطره (25) م وعمقه (2-3) م، وكانوا يصرخون علينا … يلله بسرعة ابركوا …. ادخلوا الحوض… نكسو رؤوسكم… الله أكبر… الدولة الاسلامية باقية… ثم رموا علينا، وكانوا محيطين بالحوض الدائري، بدأ الجميع بالرمي علينا، وبعد لحظات توقفوا، بعد أنهمدت الجثامين داخل الحوض، سمعت أحدهم قال: هذه المرة ركزوا بالرمي على الرؤوس، بعدما رموا مرة أخرى على الرؤوس، وبعد ربع ساعة تركونا وصحت بقومي من منكم مصاباً يستطيع أن ينقذ نفسه، ليخرج من الحوض، فخرجنا أنا و (سعيد مراد بسي، دلشاد سليمان قاسم)، من الحوض زاحفين على بطوننا، والى غرب الحوض كان هناك حوض آخر رأينا فيه مجموعة من القتلى المغدورين، لا نعلم هل قتلوهم معنا، أم قبلنا ، وفي شمال المزرعة بمسافة (8) كلم كانت هناك مزرعة أخرى وصلنا اليها، أنا وزميلي سعيد مراد، أختبئنا تحت مستلزمات الحراثة والمحركات القديمة الى أن أسدل الظلام، بينما رفيقنا الاخر واصل سيره نحو القرى العربية، وكنا نسمع صوت الطائرة التي تحوم فوق القرية ولكن كانت مرتفعة، ونسمع الرمي، وكانوا يأخذون مجاميع للإبادة الى مكان معين ورأينا صعود دخان من القرية لا نعلم مصدر الدخان، هل هي غارة للطائرات عليهم ام الدواعش حرقوا شيئاً من القرية، واثناء تواجدنا في المزرعة بعد المجزرة بساعتين رأينا قدوم (شفل) ، لا نعلم هل دخلوا القتلى الذين خارج الحوض الى الحوض، أم تم دفن القتلى في الحوض، وبعدها بعشرة دقائق جاءت سيارتين تبحث عن الناجين وتفتش في المزرعة، وفي الليل خرجنا وتوجهنا الى (وادي النخيلة)، عبر (أرض البرايز)، وعبرنا وادي (شرق وغرب) ، وصلنا الى برج وبقينا فيه، وفي الساعة الثانية عشر ليلاً دخلنا قرية (ر)، كنا مصابين، زميلي فتح الباب بدون رخصة من البيت، ورمينا أنفسنا في حديقتهم، دب الهلع في العائلة، قلنا لهم نحن من كوجو، وقصصنا لهم ما حدث لنا ولأهلنا، ارتوينا، العائلة عرفوا زميلي، بالتحايل على المضمد أحضروه لنا ، تم ضَماد جروحنا، وقالوا: نحن مبلغين من الدولة الإسلامية، سيتم معاقبة كل من يأوي ايزيدي او شيعي، لذا نرجوا منكم، أن تغادروا، وعبر الوادي وصلنا الى (ن) جنوب مركز شنكال، سمعنا صوت الاذان، لم يبقى لنا إلا أن ندخل الى القرية دخلاء، ورأينا رجلاً عجوزاً يتوجه الى الجامع لصلاة الفجر، سلمنا عليه، وروينا له قصة كوجو، طلبنا منه إيواءنا، بقينا لديه الى اليوم الثاني، وأقولها للتاريخ اصابتي كانت بليغة، وان أحد علماء الدين كان يعالجني، في اليوم الثاني، قال : هناك شخص سيوصلك الى سوريا لان جرحك خطير، هناك شخص اخر في مزرعة قريبة، وسنوصلكم معاً اليها، كان زميلنا (دلشاد سليمان قاسم)، وصلنا الى المزرعة بين الدوميز والقابوسية، وقالوا فتشوا عن زميلكم، بحثنا عنه لكن لم نعثر عليه، ولكون المزرعة على الطريق العام ويحوم الرعاة حولها، في الليل التجئنا الى القرية مرة اخرى ودخلنا بيت اخر، بقَى زميلي هناك ، وانا ذهبت الى بيت آخر، بقينا ثلاثة أيام، كانوا خائفين من اصابتي، قال : سائق تاكسي سوف اوصله الى زاخو بمبلغ (2000) الفي دولار، اتفقنا، لكن في اليوم الثاني قال : لا أستطيع بهذه الأجرة إنها قليلة وانما بمبلغ (8000) ثمانية الاف دولار، والدي وابني استشهدا معي في المجزرة، ولم يكن لي الا عمي في زاخو، فاتصلت به، قال أقسم بالله يا بني لا أستطيع دفع هذا المبلغ، بعدها كان هناك شخص آخر اتصلنا به قال سوف اوصلك لكن بعد أيام، في هذه الاثناء كان (خالد) شقيق زميلي (سعيد) ايضا قد نجى من المجزرة، ووصل الى القرية، التقينا نحن الثلاثة في المزرعة، صاحب الدار زودنا بقناني الماء وسلمنا جهاز موبايل وسرنا عبر الوادي الى الزيتونية، للوصول الى جبل شنكال، وفي مفرق مركو مدينة شنكال، لاحنا ضوء أخضر ليزري، قلنا تم كشفنا، بالسرعة الفائقة التجئنا الى بستان للزيتون، توجهت سيارة داعشية من المفرق الينا، لكننا اختبئنا، وعبرت السيارة، وسرنا في ظلام دامس عبر وادي (ثرثار) وبعد ذلك جاءت سيارة من تلعفر الى شنكال، اختبئنا في الوادي لحين العبور، وصلنا الى قرية صولاغ، منعتنا الكلاب من الدخول لفترة نصف ساعة، وكان هناك ساقية ماء تسبح فيها الكلاب، ملأنا قناني الماء منها، ثم وصلنا الى القراج، ورأينا وصول ثلاث سيارات الى صولاغ تبحث عنا، لانهم ظنوا بوجود اشخاص نتيجة النبح المستمر للكلاب ، في القراج وقعت على الارض ولم استطيع السير لقد خارت قواي ، كان زميلي سعيد يحملني على كتفه بالرغم من الكسر البليغ في يده التي كانت تتأرجح في الهواء، لكن طلبت منهم ان يصعدوا الى الجبل وانا سابقى هنا، وبقيت ليلة وحيداً على صخرة، الألم والخوف والجوع والعطش، والبكاء على أهل قريتي تم ابادتهم، وفي الصباح كنت ضمأناً بحثت عن الماء في مقبرة قريبة، عثرت على قنينة ماء، شربتها، لكنها لم تشفي ضمئي، وعند (القراج) كان الاهالي قد تركوا العديد من السيارات والساحبات، بدأت ابحث عن الماء في السيارات، رأيت مقطورة ماء لكن تبين انها فارغة، بدأت ابحث عن (صنبور – صوندة ) واكثر السيارات تحملها لسحب البنزين، وعثرت على صوندة طويلة عبئت مجموعة من القناني بالماء من راديتر للساحبة (التركتر)، وبدأت بعملية تصفية بسيطة وذلك بالتعبئة من قنينة الى أخرى، وسكب المتبقى في اسفل القنينة، وفي اليوم التالي توجهت الى الجبل.
بعد مسافة من صعود الجبل، نفذ الماء، رأيت راعياً للأغنام، من الجهة المقابلة، ناديته، اني مصاب وضمأن، وطلبت منه الماء، قال لا استطيع عبور الوادي العميق الذي يفصلنا، ارجوا ان تتجه قليلاً الى الغرب، هناك معبر كي استطيع مساعدتك، اتجهت غرباً مع محاذات الوادي، ويبدو ان بعض الشباب قد سمعوا مناداتي للراعي، وعلى عجل اتجهوا صوبي، حاملين الخبز والطماطم والماء، وطلبوا من زملائهم بإحضار حيوان (حمار) فحملوني الى مقر (ي ب ك)عولجت من قبل مفرزتهم الطبية بامكانياتهم البسيطة، وطلبوا ان يرسلوني الى مستشفى (ديرك) في سوريا، لكن بعد ان اعلم البيشمركة بتواجدي هناك ارسلوا لي سيارة، ومكثت عندهم، وبعدها حضروا لي سيارة الى سوريا ثم الى الاقليم، ودخلت مستشفى زاخو للعلاج، والحمدالله الى حد ما تعافيت الان.
بعد أن راجع عيادات الاطباء.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية