الزواج بالإكراه في العراق.. ضحايا بالجملة للأعراف العشائريّة
اربيل/ دلفان برواري: أباحت جسدها الفتيّ للنار بعد أن سكبت عليه لترات عدّة من النفط الأبيض وأشعلت بيدها عود كبريت لإنهاء حياتها، وقد رفض والدها زواجها من “حبيبها” وأصرّ على تزويجها من شخص لا تعرفه.
شهناز التي لم تكمل عامها الخامس والعشرين فارقت الحياة في مستشفى نينوى للحروق في نيسان/أبريل من العام 2010، بعدما فشل الأطباء في إنقاذها من الحروق التي شوّهت كامل جسدها. فتحوّلت رقماً إضافياً في قائمة طويلة من ضحايا الزواج بالإكراه.
وتروي كلناز شقيقة شهناز الصغيرة ما حدث قائلة “كان يوماً مشؤوماً. لم نتوقّع أن تقوم بهذا التصرّف الكارثي. كانت النيران تلتهم أختي في حين كانت تصرخ ضدّ كلّ الذين ظلموها”. أما ليلى ابنة السابعة والعشرين، فكان قرارها مغايراً. هي انصاعت لزواج أجبرت عليه من قبل أهلها لتعيش حياة تصفها “بالموت بصمت” بدلاً من “الموت بفضيحة”، وذلك بعدما رفضوا زواجها من أحد زملائها في الجامعة.
وتمسح ليلى دموعها وهي تقول إن “قتلي غسلاً للعار كان أمراً ممكناً. فهو كان سيأتي كردّة فعل لوالدي وإخوتي لو شكّوا بأن رفضي الزواج من أحد أولاد عمومتي، سببه علاقة حبّ تجمعني بزميلي الذي رفضوه”. تضيف “لم يكن لدي خيار آخر”.
لا تقتصر مشكلة الزواج بالإكراه على ليلى وشهناز، إنما تشاركهما فيها الآلاف من النساء من جميع المحافظات العراقيّة، في ظلّ الطابع الذكوري والعشائري الذي يسود المجتمع. وهنا، تصبح حرية المرأة بشكل عام على المحكّ، وتشكّل علاقتها العاطفيّة سبباً لقتلها لو اكتشف ذووها المسألة.
المرأة ضحيّة!
تختلف أشكال تزويج المرأة بالإكراه. فمنها ما يأتي لأسباب ماديّة ونتيجة لحاجة عائلة الفتاة، أو قد يكون زواج الأقارب المنتشر في المجتمع العشائري كزواج ابن العم من ابنة العم، أو زواج “التبادل”. وفي هذا الشكل الأخير، يوضح الباحث الاجتماعي محمد عبد الحسن أن “المرأة تصبح ثمناً لرغبات أخيها أو أبيها المتعلّقة بزواجه من امرأة يختارها”. يضيف أنه في هذه الحالة، قد يتمّ تزويج المرأة من شخص لا تعرفه يتمّ اختياره من قبل عائلة المرأة التي اختارها أبوها أو أخوها للزواج. وبذلك تصبح المرأة “ضحيّة، بلا قرار ولا حقوق”.
ويقول عبد الحسن أن زواج الأكراه قد يتّخذ شكلاً آخر في العرف العشائري تكون فيه المرأة “ثمناً لخطأ قام به الرجل”، موضحاً أن الصلح العشائري في حالات القتل يشمل تزويج امرأة من عائلة القاتل لرجل من عائلة القتيل. وهذا يعتبر “كارثة على المرأة”، إذ تجبر على الزواج من رجل يكرهها لأنها من عائلة قاتل أحد ذويه، ما قد يعرّضها إلى أبشع أنواع الذل والمهانة انتقاماً.
من جهته يشير المحامي إبراهيم العبيدي إلى أن “زواج الإكراه يُعدّ من القضايا التي لا تثار قضائياً إلا إذا تقدّمت الضحيّة بالشكوى. ويتوجّب عليها حينها إثبات تعرّضها إلى التهديد أو إجبارها على الزواج، أضف إلى ذلك صعوبة الوقوف في المحكمة وتقدّمها بشكوى ضدّ والدها أو إخوتها”. يضيف أن “الخطورة التي ستتعرّض إليها بعد المحكمة” هي التي تدفع المرأة إلى “الاستسلام والخضوع للواقع”.
ويبدو أن غياب الضمانة والحصانة القانونيّة للمرأة يقف وراء عدم تناسب عدد الدعاوى القضائيّة المسجّلة في المحاكم الشرعيّة من قبل الضحايا مع حجم ظاهرة الزواج بالإكراه المتفشية في المجتمع العراقي، بحسب ما يقول القانوني أحمد الحسيني. وهو يرجع ذلك إلى “سيطرة العرف العشائري” على المجتمع العراقي بشكل عام.
ويرى محمد عبد الحسن أن “المحاكم تتغاضى عن التحقّق من موافقة المرأة على الزواج وذلك بمجرّد حضور وليّها والاكتفاء بسؤال القاضي الكلاسيكي للمرأة: هل أنت موافقة على الزواج؟”. يضيف أنه بالطبع سيكون الردّ “نعم”، لوجود ذويها الذين أجبروها على الزواج. ويشير إلى أنه “يتوجّب على المحاكم أن تعتمد على باحث اجتماعي متخصّص يدرس حالات الزواج من كافة النواحي، للتأكيد على أن الزواج غير ناتج عن أي نوع من أنواع الإكراه”.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية