المـعجم الشــــــــــعري عند فــوزي الاتروشي
د. جمال خضير الجنابي
يمثل المعجم الشعري للشاعر (فوزي الاتروشي) منبعه اللغوي الذي ينتقي منه مايريد من الألفاظ والمفردات , يخلق منها عالمة الشعري (القصيدة) , التي تعد من (مكونات الخطاب الشعري , فالحقل الدلالي هو قطاع كامل من المادة اللغوية يعبر بها عن مجال معين من الحيز ) , فهذه الألفاظ التي ينتقيها الشاعر تصبح ألوانه وريشته اللغوية , أن جاز التعبير , لرسم لوحته الفنية التي تمثل لنا صورة تجربته المعيشة . كما أن الشاعر عندما يشيد بناءه الشعري لايعمل على مجرد وضع الألفاظ ورصفها , بل يضعها في سياقات متعددة وملونة قادرة على منحها دلالات جديدة , بعد أن تخرجها من الدلالات الوضعية , تنخرط في حقول دلالية جديدة , تكشف عن أسلوب لغوي خاص , يمثل هذه الحقول المعجم الخاص بالشاعر , وهذا الاغتراب عن المعجم لا يعني خروجها , بل تبقى الألفاظ مرتبطة , وان كانت بروابط ضعيفة , فللغة الشعرية الفضل في طريق الخروج عن المعجم والاتصال به في الوقت نفسه . وهذه الخروجات عن المعاني المعجمية للألفاظ اكسبها دلالات جديدة , تنتمي من خلالها إلى حقول أخرى تمثل المعجم الشعري الخاص بالشاعر , الذي يعبر عن تجاربه الخاصة التي مثلتها السياقات الشعرية الموضوعية فيها هذه الألفاظ , ليخلق بذلك الشاعر لغته الخاصة والمميزة لأسلوبه الشعري , ويبقى السياق الشعري هو المسؤول عن منح الهوية الشعرية الجديدة للألفاظ , وتوظيفها في هذه التجربة , كما يكون لإحساس الشاعر باللالفاظ ودلالاتها اثر في اختيارها , ( فالشاعر الحق هو من يتميز عن سائر الناس بإدراكه لمعاني الألفاظ من قوة , فالكلمة عنده لاتفسر بالعقل وحده , ولكنها تفسر كذلك بالقلب والخيال , فإذا ما ترددت لفظة في ذهنه كان لها أصوات مدوية في داخل نفسه ) . فالالفاظ وعاء يصب فيه الشاعر شعوره ليحقق لنا معاني تكون مرآة تعكس تجربته الخاصة التي تمخضت عن ظروف وتجارب عديدة , وعلية فان الالفاظ ليس لها ملجا تأخذ فيه خصوصيتها وتدخل في التصوير الا في الشعر , كما ان المعاني الشعرية التي تحملها اللغة ترتكز على أساس مزدوج من المرجع والدال ) لان الشعر يقوم باستفزاز المعاني الدفينة في الألفاظ وإظهارها , فضلا عن دور الكلمة نفسها , بما تحمله من بعد جمالي قائم على اساس أصواتها , ومن خلال كل هذه الطاقات التي حققها الشعر للغة , يصبح المعجم قدور الالفاظ والكلمات . ويصبح في بناء القصيدة اكثر جدوى واعمق اثرا , لانها تصبح صورا من صور التجربة نفسها , طاقة تعبيرية كبيرة عن كل المشاعر التي يعج بها العالم الداخلي للذات , فالشاعر ( ينقل الكلمات ذات الايماء الفني ) والشاعر (فوزي الاتروشي) كغيره من الشعراء الذين مروا بتجارب مختلفة ومتنوعة , مما ادى الى تنوع معاجمهم الشعرية , ومن خلال الاستقراء لديوانه ومجموعاته الشعرية الاخرى وجدت له مجموعة من الالفاظ اصطفت في محاور او حقول دلالية , وهي :
الفاظ الحب :-
لقد شاعت في قصائد الشاعر مجموعة من الالفاظ التي ارتبطت بتجاربه الوجدانية العاطفية , من هذه الالفاظ ( الحب , والهوى , روحي , العشاق , حبيبتي , اناديك , احلامي , الحسناء , العشاق , شوق , تلامسني , الهوى , غرام , وصل , وعاشق , وغرام , وحيران , وهيام , ويا حبيبي , ونصيبي , وعشاق , وعهد , وفؤادي , وقلبي , وعشق …. الخ ) وقد تنوعت دلالاتها وصورها بحسب السياقات التي وردت فيها , ففي قصيدة ( امرأة من رماد ) نقرا قوله :-
هي امراة واقفة على خط الحياد
كلامها صمت وقلبها رماد
كل افراحها ارتحلت
فالحب هنا يتخذ صورة الواهب الذي يهب السعادة والهناء بل يصبح هنا اساس الوجود , فهو ( تقول انها عاشقة الزهور والشموع ../ وان اشتعلت الف عود ثقاب بقلبها … الخ )وما كشف عن تلك الاهمية في صورة الحب , هي تلك اصطفاف الالفاظ قد جاء مساوقاً مع هذه الصورة الايحائية للحب .
الفاظ الحزن :-
لقد شاعت في قصائد الشاعر (فوزي الاتروشي) الفاظ عبرت عن تجاربه القلقة والحزينة , التي تصور لنا يأسه وحزنه واساه , حتى شكلت معجماً اجتمعت فيه مجموعة من الالفاظ ارتبطت بتلك التجارب , ومن هذه الالفاظ ( التشرد , الام , السواد , صراخ , يبكي , هلاك , الجروح , مذعور , الغدر , اهات , حزن , واسى , وجراح , وبؤس , وموت , وشقاء , وهم , وهجر , سراب , وضباب …الخ ) ففي النص نقرا قول الشاعر :
تقول انت بلا وطن
انت بلا سكن
انت هارب شارد
فالمعاني والالفاظ التي صيغ به هذا النص تكشف لنا عن مشاعر وجدانية مليئة بالمرارة والالم , تحققت من خلال علاقة الذات بالاخر , حتى اصبحت احزانه لا تفارقه , فهي ترفض ان تزول , ونتيجة لهذا الشعور شاعت في لغة النص الفاظ عبرت عن هذه المعاناة , مثل ( بلا وطن , بلا سكن , هارب , قهر , المحن , حزن , الفراق , الدموع , الجراح , ممزق , المنافي , النهاية …الخ ) وتنبثق الفاظ الحزن في سياق اخر من خلال شعور الذات بأنها اصبحت مستودعا للالام ومرساة للحزن .
ان صورة الحزن تتأسس في النص من خلال احساس الذات بضياع العمر , نتيجة الحرمان , وهذه الصورة تمثل اللحظة الحاضرة ( الزمن الحاضر ) , حيث غياب الحبيب فيها , بينما عمر الشاعر وسعاداته ارتبطت بوجوده في الماضي , ومن خلال احساس الذات بلحظة الغياب , رسم لنا صور هذه القصيدة التي كشفت عن احزانه ومعاناته , التي عبرت عنها الالفاظ .
الفاظ الطبيعة :-
ان علاقة الشاعر بالطبيعة علاقة قوية , تبدو لنا واضحة في قصائده التي نرى فيها شغفه بها وحبه لها , ولذلك نراها ماثلة في اغلب قصائد وموضوعاتها المختلفة , ولو تتبعنا شعر (فوزي الاتروشي) لوجدنا هناك شبكة كبيرة من الالفاظ التي تصور الطبيعه وما فيها , من مثل : ( الازهار , الاعشاب , الثلج , جبال , المطر , الماء , سحابة , خريف , الامطار , النور , العشب , شجرة , الريح , القمح , الشعير , النهار , الليل , الغابات , النجوم , المساء , الشمس … الخ ) . ففي النص الاتي يستخدم الشاعر لفظة ( الارض , نار , ضوء , الليل , الشمس , فجر , امواج , الحقول , القمح , الامطار , السحب , الصباح , الرياح … الخ ) وقد عبرت عن دلالاتها الواضحة , بما تحمله هذه الالفاظ من جمال ودلالات مليئة بالحياة حيث يقول :
وستبقى ياقاتل المنايا …
يدخل الشاعر (فوزي الاتروشي) الطبيعة في تكوين الوطن الذي يحلم به , حيث نجد ان خيال الشاعر يذهب به الى ان يتصور حقول القمح التي ترمز الى الحياة هي مساحة الوطن الذي يحلم به , حيث القمح هو العنصر الاساسي في حياة الانسان , لهذا تصرخ سنبلة القمح حتى وصل الامر بها ان تولد من تحتها الارض وطناً اسمه كوردستان .
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية