زهير كاظم عبود
ليس فقط جريمة قتل الدكتور محمد بديوي ما تدفع الأنسان لأستنكار وقوع مثل هذه الجرائم التي يذهب ضحيتها مواطن ، لأنها تقع بين عراقيين اولا ، وثانيا ان اسبابها دائما انفعالات وتصرفات لاتنم عن حكمة وتروي وتعقل ، وثالثا هي خروج عن جميع الأعراف والقيم التي يستوجب ان يتحلى بها عناصر المفارز ونقاط التفتيش .
وفي الوقت الذي نستنكر الجريمة ونطالب بشدة اتخاذ الأجراءات القانونية بحق القاتل ، والوقوف على تفاصيل وحقيقة الأحداث مهما كانت صفة الفاعل ، وفي أي مكان يعمل ، فالقانون ينبغي تطبيقه على الجميع ، ونحن متساوون امام القانون ، وليتحمل كل انسان وزر اعماله .
غير أن يتم استغلال وقوع مثل هذه الجريمة لإطلاق التهم والنعوت الرخيصة بزعم الدفاع عن المجني عليه ، وأن يتم استغلال الواقعة لإطلاق شحنات جديدة من الكراهية والبغضاء بين الشعبين الكوردي والعربي ، وأن يتم الصاق تهمة جريمة القتل بقوات البيش مركة العاملة في فيافي كوردستان العراق ، تلك امور بحاجة للتدقيق وإعادة القراءة .
اذ يجد البعض فرصتهم للتعبير عن مكنوناتهم وأمراضهم في كراهية شعب كوردستان بخلط الأوراق بدراية وتصميم وأحيانا دون ادراك وتعمد ، غير أن الأمر في كل الحالات يدفعنا للتأمل ، فهل حقا أن من اتهم البيش مركة لم يكن يعرف ان قوات الحرس الرئاسي في بغداد يرتبطون بالقائد العام للقوات المسلحة ( رئيس الوزراء ) ، والذي دفعه الموقف الانفعالي ليصرح للأعلام بأنه ولي الدم باعتباره مسؤولا عن دماء العراقيين وتلك التفاتة جميلة لو كانت هذه المسؤولية تسري على جميع العراقيين ، وحسنا فعل حين اكد على أن القاتل يجب تسليمه للقضاء ، غير أن عبارة الدم بالدم اوحت للعديد من القراء والسامعين بأنها دعوة للثأر ، ولكن ممن هذا الثار واين محله ازاء تطبيق القانون واتخاذ الإجراءات القانونية ؟ ثم لماذا تغيب المسؤولية في حالات قتل ارتكبتها عناصر في القوات المسلحة قبل هذه الجريمة ؟ .
وكان اللواء الأول قد قام باعتقال الضابط الذي ارتكب الجريمة حال ارتكاب الفعل ، وبادر لتسليمه الى الجهات القضائية والتحقيقية ، ولم تبدر اية ممانعة أو رفض للتسليم ، ولم يكن صحيحا اي محاولة لتهريب المتهم ، وكل ماتم تصويره لايعدو الا حلقة ضمن حلقات التجييش والكراهية ضد شعبنا الكوردي في العراق والأسباب غير مجهولة للمتفحص اللبيب .
لم تكن جريمة قتل الدكتور محمد بديوي الشمري لأسباب طائفية ، ولاعنصرية ، ولادخل لقوات البيش مركة بها ، ولاعلاقة لها بأقليم كوردستان العراق ، فقد وقعت من مواطن عراقي يعمل في الفوج الرئاسي في بغداد بصفة ضابط ، وهو عنصر من عناصر القوات المسلحة العراقية ، ولكونه عسكريا وارتكب جريمة من الجرائم التي يحكمها قانون العقوبات العراقي فانه يخضع للتحقيق أمام قاضي التحقيق ، ومهما كانت تبريرات الفعل فأنه ارتكب فعل القتل ، وأن القضاء في بغداد هو المختص مكانيا بالتحقيق والمحاكمة في هذه الجريمة .
وكان نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي قد وجه بتسليم الجاني والتحقيق معه وتقديمه للقضاء . كما أن رئاسة الجمهورية أصدرت فورا بيانا للرأي العام بينت فيها بأنها تستنكر فعل القتل وتطالب بتسليم المتهم الى المحاكم المختصة ، ثم أن هذا الفوج الرئاسي التابع الى اللواء الأول لايحمي مقر أقامة رئيس الجمهورية فقط ، انما يعمل على تأمين الحماية لمكاتب نائب رئيس الجمهورية و مكاتب ديوان رئاسة الجمهورية .
وفي الوقت الذي انطلقت فيه بعض الأصوات التي تريد النيل من البيش مركة والكورد بشكل عام حيث وجدت في هذه الجريمة فرصتها ، فأن تحرك بعض المسؤولين ازاء ماحصل واطلاق التصريحات الأعلامية لاينم عن الحكمة والتعقل والتروي ، ويعبر في ذات الوقت عن الأفلاس السياسي والحنكة والقدرة على مواجهة الأمور .
أن ولي الدم هو من يملك دماء الناس ، وهو من يقم بتنفيذ القتل في حال ادانة الجاني وفي حال تطبيق الحدود ، وتلك امور عفى عليها الزمن والتاريخ ، أما ان يكون هناك دستور وقوانين للعقوبات وقضاء مختص بتطبيق النصوص القانونية ويتمتع باستقلالية عن بقية السلطات ، فهي وحدها الفاصل في العقوبة وليس رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء ولارئيس الاقليم ولاأي من المسؤولين ، ونظرية الدم بالدم تعني بأن يكون الدم مسفوحا في حال ارتكاب جريمة الدم ، وهي عقوبة لاتفيد مسارات الحياة اليوم في العراق وتساند العقوبات القانونية الواردة في متن القوانين العقابية ، وهو القانون وحده الذي رسم انواع العقوبات حصرا .
ومرة اخرى نكون بحاجة ماسة الى اعمال العقل والتروي في التصريحات ، ونشعر جميعا اننا بحاجة الى استعادة تلك الأواصر والعلاقات المتينة بين جميع القوميات التي يتشكل منها شعبنا ، فالشراكة تعني الكثير ، والاتحاد يعني العديد من الروابط والأصر ، ولن يتمكن اي متصيد في الماء العكر ان يخلط علاقاتنا ويفكك وحدتنا وشراكتنا التي قدمنا من اجلها الكثير من التضحيات .
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية