يوليو 27, 2025

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

نايف رشو خلف: عندما يصبح اعداء الامس اصدقاء اليوم

عندما يصبح اعداء الامس اصدقاء اليوم
نايف رشو خلف
تمر هذه الايام الذكرى التاسعة والثلاثون لاتفاقية الجزائر والتي تم توقيعها في  ( 6 / اذار / 1975 ) بين العراق وايران متمثلة بكل من نائب الرئيس العراقي انذاك صدام حسين وشاه ايران محمد رضا بهلوي تحت اشراف الرئيس الجزائري هواري بومدين اثناء انعقاد مؤتمر لمنظمة اوبك للبلدان المصدرة للنفط في الجزائر .

وكان عراب هذه الاتفاقية هو وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية انذاك ( هنري كيسنجر ) والتي كانت جميع خيوط اللعبة السياسية للمنطقة بايديه يحركها كيفما يشاء حسب اهوائه وحسب مصالح الولايات المتحدة دون النظر الى حقوق الاخرين وحرياتهم باستثناء اسرائيل التي دائما ما تلقى الدعم اللامحدود من اميركا في مواجهة العرب , واحد اهداف الاتفاقية كانت للضغط على العراق من اجل تغيير موقفه من الصراع العربي الاسرائيلي وذلك لان الصراع كان في اوجه خاصة بعد حرب تشرين عام ( 1973 ) . كانت مفارقة بعد توقيع هذه الاتفاقية في ان يتحول اعداء الامس الى اصدقاء اليوم والجميع يعلم مدى التوتر القائم بين العراق وايران منذ مئات السنين بل وحتى منذ ظهور الاسلام وكانت دائما هناك صراع بين الدولتين على الحدود او على مسائل اخرى تتعلق بالمذهب او غير ذلك .
ان الطرفين ( العراقي والايراني ) كانا ينظران الى الاتفاقية كل بمنظاره وحسب مصالحه حيث كان كل طرف يرى في الاتفاقية نصرا ومكسبا له على حساب الاخر , فالعراق كان مرغما على توقيع الاتفاقية لانه وصل الى درجة اليأس من قلة ما تبقى من اسلحته او خسائره البشرية الهائلة خلال السنوات الطويلة من الصراع مع الاكراد وهو ما اعترف به بعد ذلك صدام حسين عندما قال بان وضع الجيش العراقي كان صعبا جدا ولذلك لم يكن خيار سوى القبول بالاتفاقية على مساوئها بالنسبة له و للعراق من اجل ان تنهار الثورة الكردية بعد قطع الاسلحة والمعدات عنهم من قبل ايران وهو ما تضمنته احدى فقرات الاتفاقية . حتى لو كان ذلك على حساب الاراضي والمياه العراقية حيث تضمنت بنوت الاتفاقية تنازل العراق عن الكثير من الاراضي اضافة لنصف شط العرب الى حد خط ( التالوك ) لايران ولو بعد حين , وكذلك عدم المطالبة بارجاع الجزر العربية الثلاث ( طنب الصغرى وطنب الكبرى وابو موسى ) وهي جزر اماراتية كان ايران قد احتلتها في عام ( 1971 ) .
اما الجانب الايراني فكانت مكاسبه اكبر باعتبار حصوله على الكثير من الاراضي وكذلك نصف شط العرب كما نوهنا اعلاه والتي كان يشكل اي  ( شط العرب ) الكثير من الخلافات بين الدولتين الجارتين . ولم يكتفي الجانب الايراني بقطع الاسلحة عن الاكراد فحسب وانما عمد الى غلق الحدود بوجههم وكذلك الاستيلاء على الكثير من اسلحتهم ومصادرتها وحتى بعد توقيع الاتفاقية فان البارزاني الخالد قد قام بزيارة الى ايران والتقى بالشاه في محاولة منه للضغط عليه من اجل عدم تنفيذ بنود الاتفاقية ولكن دائما ما تكون المصالح فوق اي اعتبار اخر ولذلك رفض ذلك ونصح البارزاني بضرورة وقف العمليات العسكرية واللجوء مع مقاتليه الى ايران . وكانت الاتفاقية صدمة للاكراد عموما والبيشمركة خاصة بعد ان كانوا قاب قوسين او ادنى من تحقيق احلامهم بعد كل تلك السنوات الطويلة من الصراع مع الحكومات العراقية المتعاقبة , حيث انتاب المقاتلين مشاعر غضب وحزن وهم يشاهدون ثورتهم على وشك الانهيار وهذا ما اورده الكثير من المؤلفين في مؤلفاتهم ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الكاتب الالماني ( د . كونتز دشنر )في كتابه ( احفاد صلاح الدين الايوبي – الكورد الشعب الذي يتعرض للخيانة والغدر) والذي كان شاهدا حيث نقل العديد من المشاعر الجياشة للمقاتلين الذين كانوا يقومون بتدمير اسلحتهم او اخفائها في مكان ما عسى ان يرجعوا يوما له وهذا ما حصل بعد ذلك بعد عام وشهرين اي عند اندلاع ثورة كولان في  ( 26 / 5 / 1976 ) وقد نقل الكاتب بان الرئيس مسعود بارزاني قد أجهش بالبكاء عندما تم تفجير الاذاعة الكردستانية التي كانت تبث برامجها طيلة سنوات الثورة . وقد نقل على لسان الشهيد ( سامي عبد الرحمن ) قوله ( أننا سننتصر ولو بعد مائة عام ) وقد تحققت نبوءة البارزاني الخالد عندما قال بان هذه الاتفاقية لن تعمر طويلا وهذا ما حصل بعد خمسة اعوام عندما تم الغاء تلك الاتفاقية من الجانب العراقي مما مهد لحرب الثمان سنوات بين الدولتين .
ان الاكراد دائما ما كانوا في صراع مع الاتراك والفرس والعرب من اجل نيل حقوقهم القومية بانشاء وطن لهم اسوة بالاخرين . وقد لاح لهم ذلك بعد العديد من الثورات والانتفاضات في الدول الثلاث ( ايران – تركيا – العراق ) اقول لاح لهم بعض الامل في انشاء كيان خاص بهم وذلك بعد نهاية الحرب العالمية الاولى بخسارة الدولة العثمانية الكثير من اراضيها وتشكيل دول جديدة ومنها ( اذربيجان – جورجيا وارمينيا ) في عام ( 1918 ) وكان املهم يتمثل في توقيع معاهدة سيفر في ( 10 / اب /  1920 ) بين الحلفاء والدولة العثمانية والتي اعطت للاكراد حكما ذاتيا ثم بعد ذلك اجراء استفتاء بينهم فيما اذا كانوا يرغبون في اقامة دولة لهم . الا ان وصول ( مصطفى كمال اتاتورك ) الى سدة الحكم وعدم اعترافه بمعاهدة سيفر مما جعل الحلفاء يبدلونها باتفاقية لوزان عام ( 1923 ) والتي لم تنصف الاكراد , لاحكم ذاتي ولا دولة مستقلة بل حتى لم ترد كلمة ( كورد ) في جميع بنود الاتفاقية . وصدق من قال بان السياسة هي تجارة بلا اخلاق وانه في السياسة لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة وانما هناك مصالح دائمة . وعندما ننظر الى مصير اللذين وقعا الاتفاقية وهما ( صدام حسين وشاه ايران ) فانهما دخلا مزبلة التاريخ , فشاه ايران الذي كان حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة فانها تخلت عنه بعد الثورة الايرانية عام ( 1979) بل حتى وصلت الحال بامريكا انها ارادت تسليمه لقادة الثورة ولم يجد ملجأ الا عند صديقه القديم السادات ليموت بعد ذلك منسيا بعد سنوات طويلة من الحكم , اما صدام حسين فالكل يعرف مصيره و ما الت اليه مصير عائلته التي تشتتت في ارجاء العالم .
واخيرا فان الشعوب مهما ضعفت او اتعرضت للخيانة والغدر فانها لا تموت ابدا و ياتي اليوم الذي يحصل فيه كل ذي حق حقه مهما طال الزمن وان تجربة اقليم كردستان العراق حاليا خير دليل على ذلك .

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi