قطعت حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة شوطا طويلا في سبيل إنهاء عدم المساواة في التصويت الانتخابي، حتى أقر الكونغرس عام 1965 قانون حق التصويت الذي كان علامة بارزة في تاريخ هذا النضال.
وبعد نحو 50 عاما من إقرار القانون ألغت المحكمة العليا في يونيو/حزيران الماضي الفقرة الرابعة التي تحدد الولايات التي تخضع لمراقبة الحكومة لقوانينها الانتخابية، ما أثار مخاوف من القضاء على مكاسب الأميركيين السود خاصة وأن بعض العراقيل مازالت موجودة، كما يقول مراقبون.
نضال طويل
ألغى قانون الحقوق المدنية عام 1964 “التطبيق غير المتساوي لشروط تسجيل الناخبين” ثم صدر قانون حق التصويت عام 1965 الذي وضع قواعد جديدة استنادا إلى الدستور الأميركي الذي أقر هذه المساواة لكنها لم تطبق عمليا.
وجاء القانون ليقضي على سلوكيات يقول كثير من الأميركيين من أصول إفريقية إنها “عنصرية تاريخية” من بينها فرض شروط “معرفة القراء والكتابة” و”ضريبة الرأس” التي منعت شريحة كبيرة ممن لهم حق التصويت من التسجيل.
وخوّل القانون الحكومة الفدرالية الإشراف على عملية تسجيل الناخبين في الولايات التي طبقت هذه الشروط، كما قضى على استخدم العنف والتخويف أثناء التصويت، ومنح الفرصة للمسؤولين الفدراليين “لمراجعة أية تغييرات قد يكون وراءها نية التمييز العنصري “.
زيادة عدد الناخبين
ومع تطبيق القانون زاد عدد الناخبين المسجلين، ونجح القانون في ضمان تطبيق قوانين انتخابية عادلة في الولايات التي أشرفت عليها الحكومة الفيدرالية، حيث أدى إلى زيادة عدد الناخبين بـ 160 ألف ناخب جديد في ولايات الجنوب عام 1965، وزاد هذا الإقبال بمرور الوقت حتى أصبحت الفجوة بين تسجيل البيض والسود 2 في المئة فقط عام 2000.
وبحسب وثائق أميركية، ارتفعت نسبة الناخبين السود في ولاية مثل مسيسيبي بشكل كبير جدا حيث زادت بنسبة 59 في المئة خلال خمس سنوات فقط من 1964 إلى 1969 .
وفي الفترة من 1965 إلى 1990، زاد عدد المشرعين السود من اثنين إلى 160، وكذلك عدد ممثلي المجالس المنتخبة داخل الولايات مثل ولاية جورجيا التي زاد عددهم فيها من ثلاثة إلى 495.
وبحسب دراسة لمكتب الإحصاء الأميركي نشرت في مايو 2013، فإن نسبة إقبال الناخبين السود في الانتخابات الرئاسية عام 2012 تفوق على نظرائهم من البيض والأعراق الأخرى للمرة الأولى ، وهو ما ساهم بشكل فعال في نجاح المرشح الديموقراطي باراك أوباما المفضل لدى هذه الفئة .
وبينت الدراسة أن 66.2 في المئة ممن لهم حق الانتخابات صوتوا خلال هذه الانتخابات مقابل 64.7 في المئة فقط في انتخابات عام 2008.أما البيض فقد صو 64.1 في المئة منهم مقابل 66.1 في انتخابات عام 2008.
ويقول محللون لصحيفة أن بي سي نيوز تعليقا على هذه الدراسة إنه كان بمقدور المرشح الجمهوري ميت رومني الفوز بالرئاسة لو لم يصوت السود بهذه الكثافة ، ما يعكس الأهمية المتزايدة لموقع السود في الخريطة الانتخابية الحالية.
“القانون نجح لكن يجب تعديله”
وفي تبريره لقرار المحكمة العليا، كتب كبير قضاة المحكمة جون روبرتس أن أزمة الفجوة العنصرية قد انتهت وأن ” على الكونغرس أن يضمن توافق أي تشريع لمعالجة التفرقة العنصرية مع الظروف الحالية… إن النظام الحالي (لتحديد الولايات والمناطق) يستند إلى معلومات قديمة عمرها 40 عاما “.
مشكلات عالقة
ورغم نجاح القانون في تغيير الخريطة الانتخابية، إلا أن بعض المشكلات لا تزال عالقة. ويرى منتقدو قرار المحكمة العليا أن قرارها الأخير سيعمق هذه المشكلات.
ومن بين هذه المشكلات قوانين إبراز بطاقات الهوية أثناء الاقتراع. وقد أظهرت دراسة أجراها مركز برينان بجامعة نيويورك أن 11 في المئة من الأميركيين الذين لديهم حق التصويت لا يملكون بطاقات هوية، وتزيد هذه النسبة بين كبار السن والملونين وذوي الإعاقات وأصحاب الدخول المنخفضة والطلاب.
ويدفع معارضو قرار المحكمة العليا بأن خمس ولايات قررت تطبيق قوانينها لإبراز بطاقات الهوية فور صدور القرار الأخير للمحكمة.
ولاقت الخطوة الأخيرة ترحيبا من المدعي العام في فلوريدا غريغ آبوت الذي كتب أن “المدعي العام الأميركي لم يعد بإمكانه منع إصدار القانون” بينما قال حاكم ولاية جورجيا ناثان ديل “الآن سيتم التعامل مع جورجيا كأي ولاية أخرى”.
ومن بين المشكلات أيضا تقليل مدد “التصويت المبكر” من قبل بعض الولايات الجنوبية، وهو ما يلقى انتقادات لأن نسبة كبيرة من الأميركيين السود تستفيد منه.
كما لم تختف مشكلة تسجيل الناخبين تماما، فقد وجه ناشطون انتقادات لولايات من بينها فلوريدا التي قللت فترات التسجيل فيها إلى 48 ساعة بدلا من 10 أيام. ما يعتبرونه طريقة لتقييد عدد الناخبين المسجلين من السود الذي قد يجدون صعوبة في التسجيل خلال فترات العمل.
الرقابة الفدرالية مازالت موجودة
ومن زاوية أخرى، فإن المحكمة العليا لم تلغ الإشراف الفدرالي لكنها ألغت تحديد أماكن بعينها. وهنا كتب كبير قضاة المحكمة العليا روبرتس قائلا ” لماذا تفرض قوانين على مناطق لأنها كانت تمارس العنصرية في حقبة تاريخية؟. إن الممارسات العنصرية الفظة اختفت”.
ويرى أنصار هذا الاتجاه أن هناك ولايات، لم تشملها شروط الإشراف الفدرالي ، وجدت فيها فجوة هائلة في نسب تسجيل وتصويت الناخبين. كما يرون أن هناك مواد أخرى من القانون تخول وزارة العدل التدخل حال توافر “نية واضحة لممارسة العنصرية” ومقاضاة أي حكومة محلية تنتهك قوانين الانتخابات.
لكن الباحث ماثيو هويي حذر خلال مقابلة مع موقع قناة “الحرة” من أن إلغاء هذه الرقابة يترتب عليه أن “المجموعات العرقية المتضررة ستضطر إلى اللجوء إلى المحاكم لإثبات وقوع جرائم عنصرية، ما يتطلب جهودا كبيرة قد تستغرق سنوات، كما سيضعها موضع اتهام باللعب بورقة العنصرية”.
سلوكيات عنصرية مستمرة
ويحذر هويي، وهو أستاذ في علم الاجتماع بجامعة كونيتيكت، من أن القرار يمنح “من جديد الولايات والأفراد سلطات على حساب جماعات تعرضت تاريخيا للعديد من أشكال العنصرية”.
ويقول إن “المعضلة الحالية هي أن البعض يدفع بأن استمرار الممارسات العنصرية يعني أن القانون فشل وينبغي تغييره. وفي ذات الوقت، يرى آخرون أن نجاح تطبيق الرقابة الفدرالية على قوانين الانتخابات وتقليل الفجوة العنصرية في سجلات الناخبين هي أسباب أخرى لضرورة إلغائه”.
ويرى البعض من أمثال الكاتب جون سايدز أن الفجوة في تسجيل الناخبين نسبية وأنها ضاقت في انتخابات الرئاسة، بينما زادت في الانتخابات الأخيرة للتجديد النصفي لأعضاء الكونغرس.
وذكر سايدز في مقال له في صحيفة واشنطن بوست أن القانون ساعد على “سيطرة مرشحين أميركيين سود دون غيرهم على مناطق يشكلون فيها أغلبية”.
ويقر الباحث بأن “الاتجاهات العنصرية السلبية مازالت سائدة في الجنوب مقارنة بغيره من المناطق، رغم التقدم السياسي الهائل، إلا أن ثمة صياغة جديدة ينبغي التوصل إليها في ضوء معلومات جديدة لأن الظروف تغيرت”.
كما أن التفضيلات السياسية “المتعارضة” بين البيض والأميركيين ذوي الأصول الإفريقية هي أهم بكثير من إلغاء الفقرة الرابعة في القانون الحالي، كما تقول الباحثة ناثانيل بيرسيلي لنفس الصحيفة.
وتدفع الباحثة بأنه في “مناطق وولايات شملها القانون لم تصوت غالبية البيض فيها لصالح المرشح الديموقرايطي باراك أوباما في انتخابات عام 2008”
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية