الإيزيديون، مكون اساسي من مكونات الشعب الكوردي، وديانتهم، هي الديانة الأيزيدية، واحدة من تلك الديانات القديمة المستقلة عن بقية الديانات.
ويرجع الايزيديون من الناحية القومية الى الكورد، فهناك من يقول بأن الأيزيديين يرجعون الى القبيلة ( التيراهية- ترياها) وأن والد عدي واسمه ( مسفر بن أحمد الكردي) تيرهي، وقد جاء ذكرهم فقط في تاريخ إبن العبري وأخذ عنه هذا الخبر الراهب ( راميشوع) في منتصف القرن الخامس عشر، وذلك حسب ما يذكره الدكتور خليل جندي في محاضرة له الى مركز الدراسات الأسيوية الأفريقية / جامعة كيل 27/1/2001.
ويشير جندي الى أن باحث عربي آخر يعتبر ان الأيزيدية من الشعب الكوردي ويعبر عن أيزيدية الشيخان ب ” الداسنيين” والداسنيون هم من الكورد الذين كانوا يوجدون في سلسلة جبال ” داسن” وقد ذكرها ياقوت الحموي في معجمه وتطلق الآن على جبال المزورية.
وإذا صحت نظرية ” اولمستيد” بأن عشيرة مزوري ترجع بالأصل الى عشيرة ” مسوري- موسرى” الآشورية التي كانت في عهد ” سنحاريب” فيما بين رافدي ” الخازر” يمكننا القول بأن يزيدية الشيخان هم أحفاد تلك العشيرة الآشورية التي كانت تعيش في فجر التاريخ في هذه المنطقة.
أما أيزيدية شنكال ، طور عابدين، دياربكر، حلب، سعرد، وبدليس وماردين الى ما وراء حدود وان، فبلاد القوقاس لا جدال في أنهم يرجعون الى سلالات كوردية وهم بالأصل من شعوب سلسلة جبال ” زاغروس” الذين وجدوا في هذه الجبال منذ أكثر من أربعة آلاف وخمسمائة سنة.
ويشير جندي الى أن أغلبية الكتاب والباحثين على أن تسمية الأيزيدية مشتقة من الكلمة ايزد Ized بمعنى ( الملك الإله) و يزاتا Yazata في الآفيستا= يستحق العبادة، ويزد Yazd باللغة البهلوية وياجاتا Yajata في السنسكريتية. وبذلك يكون معنى ( أزيدي Azidi وإيزيدي Izidi و إزيدي Izedi أو Izdi عباد اللة. ونجد اسم يزيد في اسطورة لملك ايزدا Ezda ويزدان Yazdan جد من أجداد اليزيدية، كما أن يزداني Yazdani قد أطلقت على اليزيديين الأولين.
ويتوزع الايزيديون في كوردستان والعالم بالشكل التالي:
في إقليم كوردستان:
في محافظة نينوى:- قضاء الشيخان، بعشيقة، بحزاني، شنكال (سنجار)،زمار والقوش.
في محافظة دهوك :- شاريا (سميل)، مجمع خانك ومنطقة ديرهبون
في غربي كوردستان:
القامشلي، عفرين ومنطقة الجراح والقرى التابعة لها[5].
في شمال كوردستان:
ماردين، سيرت ،اورفا، قارس، اغري واردهان (على الحدود الارمنيه).
في أرمينيا:
الاگز (قرى جبل ارارت وداخل العاصمه يريفان).
في جورجيا:
داخل العاصمه تفليسي.
في المهجر:
ألمانيا والنمسا وفرنسا وأمريكا
ويقدر تعدادهم في العالم حسب أرقام لمنظمات تابعة للأمم المتحدة بحوالي 2,550,000 يزيدي يعيش حوالي 750 ألف منهم في إقليم كوردستان والعراق. و 30 ألف في سوريا[6] ولم يبقى منهم أكثر من 500 نسمة في تركيا بعدما كان عددهم أكثر من 25 ألف نسمة في بدايات الثمانينيات حيث هاجر غالبيتهم لأوروبا. كما توجد أقليات منهم في أرمينيا وجورجيا تعود أصولها لتركيا.كما توجد أقلية صغيرة من الايزيدية في إيران دون توفر معلومات عن تعدادهم.
وللايزيديين كما لغيره اسرارهم داخل بيوتهم وفي محيطهم الإجتماعي، ولعل أشهر ما شاع عن أسرار الأيزيدية بين أهل العراق وأهل غرب الشام هو أنهم يقتلون خصومهم سرا خنقا، لذا سماهم البعض الخناقون، لكن هذا بعيد تمام البعد عن الحقيقة، وإنما شاع ما شاع عنهم لأنهم يمارسون طقوس عبادتهم في مكان واحد وحيد بعيدا عن عيون الناس من أتباع الديانات الأخرى، وبعيدا عن فضول وسائل الإعلام. إضافة إلى ذلك، فإن ديانتهم غير تبشيرية، أي أنّ الأيزيدي يكتسب ديانته بالولادة.
حكومة إقليم كوردستان ، كسرت التابو المفروض على هذه الديانة، حين أقرّت رسميا حق هذه الديانة في الوجود وعيّنت مديرا عاما لشؤونها في وزارة أوقاف الإقليم بأربيل عاصمة الإقليم.
مراسل وكالة قنطرة الألمانية، أعد تقريرا عن مجمع شاريا للايزيديين في محافظة دهوك بإقليم كوردستان، في مسيرة لكشف الأسرار من بيوت الأيزيدية.
مجمّع شاريا هو جزء من خطة نظام المقبور صدام حسين في تغيير ديموغرافيا المناطق الكوردية، وقد أنشئ عام 1988، مع بدء عمليات الإبادة الجماعية ضد الكورد.
المجمع ضم سكان سبع قرى أيزيدية، أزيلت قراهم وبيوتهم بالجرافات، ونقلوا مع خفيف أشيائهم بالقوة الى هذا المجمع. وهو يشبه الى حد ما معسكرات الاعتقال النازية، وكان أصعب تحد واجهه سكان شاريا هو العثور على عمل، بعد أن فقدوا أراضيهم الزراعية.
مجتمع طبقي غير محافظ
اليوم، يعمل أغلب سكان المجمع البالغ عددهم 12 ألف نسمة في دهوك أو في المدن القريبة منه. جولتنا بدأت في قاعة المناسبات بالمجمع، واسمها “هولا لالش” . في القاعة المؤثثة بشكل أنيق أقيم مجلس عزاء جلس فيه الرجال يتبادلون التعزية بوفاة أحد سكان المجمع. البعض يرتدي ملابس أوروبية، فيما يرتدي قلة من الحضور اللباس الكوردي التقليدي.
كاهن أو “بير” مجمع شاريا للأيزيدية في قاعة المناسبات الخاصة بالمجمع: الـ”بير” هو أعلى مراتب رجال الدين عند الايزيديين. ويقوم بواجب الحضور العبادي في مجالس العزاء في العادة.
تحدث إلينا بتحفظ “بير” المجمع (وهو رجل الدين، حيث يقسّم رجال الدين عند الإيزيديين إلى 3 مراتب: بير وشيخ ومريد)، كاشفا أنّه يقوم بواجب الحضور العبادي في مجالس العزاء في العادة، ولا دور له في الأعراس وحفلات الزفاف، لاسيما أنّ تقاليد الزواج عندهم لا توجب إجراء عقد زواج ديني، فالجميع يتزوجون بعقود زواج مدنية تتم في المحاكم.
أحد الحاضرين كشف أنّ هذا التصنيف الاجتماعي يشمل كل الأيزيدية، فهم يقعون ضمن واحدة من هذه الطبقات، والرجل من طبقة البير لا يتزوج إلا امرأة من طبقة البير، وهكذا يكون الأمر مع الشيخ ومع المريد.
يختن الأيزيدية أبناءهم الذكور كما يفعل المسلمون واليهود، ولا تستوجب المناسبة حضور رجل دين، كما أنّ يوم الأربعاء مخصص لعبادتهم لأنه في عقيدتهم يوم خلق الكون، وهو يستوجب أن يعطّل الناس أشغالهم، لكن هذا ليس بالأمر الحتمي.
أحد الحاضرين أضاف معلومة بالقول:” لو أُتيح للأيزيدية أن يختاروا يوما لعطلتهم لاختاروا الأربعاء وقعدوا فيه عن الشغل”.
ويحتفل الأيزيديون بأول أربعاء في السنة الأيزيدية ويسمونه “الأربعاء الأحمر”. هذا اليوم صادف في عام 2013 يوم الأربعاء 17 نيسان.
طعام لذيذ في بيت أمين إسماعيل الأيزيدي
يتبع الأيزيديون طريقة طريفة غير معلنة لتمييز أصدقاءهم الحقيقيين عمن يكفّرونهم، فهم يقدمون للضيف طعاما طبخوه بأنفسهم، فاذا أكل الضيف من هذا الطعام، فهو صديق صدوق لهم، وإن لم يفعل، فهو ممن يكفرونهم ويرون طعامهم حراما. وهكذا فقد أصرّ الأيزيدي الكريم الذي ينقلني ويرافقني بسيارته الخاصة على أن نتناول الطعام في بيته.
في البيت استقبلتنا زوجته بوجه باسم، وصافحتني بحرارة وهي تدعوني إلى بيتها. نساء الأيزيديين لا يرتدين أي حجاب. ثم جاء أبناؤه وأخوه، وجالسونا على مائدة عامرة بلذيذ الطعام، بيتهم جميل بسيط أنيق التأثيث، يشبه بيوت العراقيين من الطبقة الوسطى في كل شيء.
جلسنا نأكل دون أن تأتي زوجة مضيفي لتشاركنا الطعام، سألت أمين إسماعيل، هل تمتنع نساؤهم عن مشاركة الرجال مائدة الطعام، فنفى ذلك، مؤكدا لي بأن زوجته كان يمكن أن تجالسنا، لكنها تناولت طعامها مع الصغار في وقت مبكر.
في غرفة الضيوف جسلنا نشرب الشاي فيما أخذ الأبناء يروون لي قصصا عن مدرستهم. قصصهم فتحت شهيتي لزيارة المدرسة.
بطلة أولمبية في مدرسة مزكين
لم أتخيل أن تكون مدرسة مجمع شاريا الأيزيدي المتخفي بين الوديان، مدرسة مختلطة. المدرسة تتدرج من الصف الأول إلى الصف التاسع بموجب نظام التدريس الأساسي في إقليم كوردستان والذي يختلف عن نظام التدريس في المدن العراقية خارج الإقليم.
ما إن وطأت قدماي عتبة مدرسة “مزكين” حتى تغيّر انطباعي عن الأيزيديين باعتبارهم شعبا بدائيا، فالمدرسة فسيحة واسعة، وفيها ملاعب عدة، وتضم مبان عدة، كما أن طرق التدريس فيها تتبع نظما حديثة ومتقدمة عن المدارس خارج الإقليم.
أهم ما لفت نظري أنّ الدراسة مختلطة، وتستمر كذلك في المدرسة الإعدادية للصفوف العاشر والحادي عشر والثاني عشر، واللغة المستخدمة في التدريس هي الكوردية، باستثناء درس اللغة العربية. دخلت أحد الصفوف ليحدثني معلم اللغة العربية في المدرسة والذي يمارس التعليم من 43 عاما عن التعليم الإلزامي الذي تخضع له المدرسة الأساسية. ويقول المعلم إنه نظام يُلزم التلميذ بالتعلم حتى الصف التاسع، مشيراً إلى أن نظام التعليم الإلزامي يطبق في باقي مدن العراق حتى الصف السادس ابتدائي.
أما السيدة غزال إسماعيل التي تدرّس الفنون، فذهبت إلى أنّ الطلبة إناثا وذكورا، يميلون إلى درس الرسم، وترى أنّ بعضهم يمتلكون موهبة ليكونوا فنانين.
إلهام صالح حسين، البالغة الثامنة عشرة من العمر والتلميذة في الصف التاسع، فُصلت من المدرسة لتغيبها ورسوبها المتكرر، وهي تحضر كتلميذة خارجية. اهتمام إلهام بالرياضة صرف انتباهها عن باقي الدروس، وقد أحرزت كأس إقليم كوردستان في بطولة الطفر العريض لبطولة حلبجة. تتحدث إلهام بهمس خجول عن طموحها بأن تشارك في بطولة على مستوى كل البلد، مؤكدة أنّ ظروفها العائلية لا تسمح لها، ومشيرة الى أنها تحضر إلى المدرسة بعد أن فُصلت منها ليتاح لها أن تُمارس الرياضة فيها.
عن الكحول و “كريف دم”
في نهاية يومي الطويل مع الأيزيدية وفي طريق العودة، لفت نظري محل أنيق الواجهة، توقفت عنده فدعاني صديقي الذي يرافقني إلى أن أنزل لأرى ما في المحل، نزلنا فاذا هو محل لبيع الخمور، وقد اصطفت زجاجات المشروبات الكحولية من مختلف المناشئ على الرفوف.
وخطر لي أن أسال صديقي، ما هو موقف الديانة الأيزيدية من الخمور. فأجابني دون تردد: “الخمرة محرّمة، لكن من شاء أن يشربها، فذنبه على جنبه، سيحاسبه الرب على مافعل، أما الناس فلا يتدخلون في علاقته بربه، من هنا لا أحد يمنع بيع المشروبات الكحولية”.
يشار إلى أن مسؤول ملف الأقليات في المفوضية العليا لحقوق الإنسان أوضح أن “تسعة عمال من الكورد الإيزيديين استشهدوا يوم الثلاثاء ( 14 مايو/ أيار 2013) باستهداف محلاتهم (التي تبيع الكحول) في مناطق شرق بغداد”، مناشداً المرجعيات الدينية بـ”الإفتاء بحرمة الدم العراقي دون تمييز بسبب الدين أو العرق أو اللون أو الطائفة”. إذ شهدت محلات بيع المشروبات الكحولية في العاصمة بغداد، خلال تلك الفترة استهدافا دائما من قبل جماعات إرهابية في مناسبات عديدة، إلى جانب دعوات بإقفالها ومنعها.
أمام محل بيع الكحوليات وقف “نادر خمو” وهو ناشط مدني ومؤسس منظمة الصداقة للتعايش في دهوك، وحدثنا بإسهاب عن طقوس الختان شارحا فكرة “كريف دم” المتعلقة بالختان وما يرافقها من احتفالات وأفراح ، كما شرح طقوس ذبح الحيوانات في أوساط الأيزيديين، مبيّنا أن من لم يختن لا يحل له أن يذبح أي حيوان.
وكالات
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية