“سيدو وأمل” زوجان من عفرين قُتلا في أربيل.. وضحيتان تحت أقدام تنفيذ القانون
رووداو – أربيل: قُتل شاب وفتاة في منزلهما على يد جارهما بمدينة أربيل في إقليم كوردستان، يوم 27 نيسان الماضي، وهما من مدينة عفرين بكوردستان سوريا، ومتزوجان منذ ستة أشهر.
وكان مراسل شبكة رووداو الإعلامية، هيفيدار أحمد، قد أعد تقريراً عن هذه الكارثة، وأوضح أن “أهالي مدينة أربيل يقولون إن قتلَ (سيدو، وزوجته) يُمثل جريمتين اثنتين، الأولى هي جريمة القتل، والثانية تتمثل في أنهما ضيفان من أبناء كوردستان سوريا في إقليم كوردستان”.
لا شك أن من المحزن أن تحصل جريمة كهذه في مدينة مضيافة مثل أربيل، وبرأيي فإن الظلم وقع على هذه العائلة 3 مرات وليس مرتين فقط، حيث تتمثل المرة الثالثة في أن الواقعة حدثت على يد شرطة أربيل.
في البداية أريد الإشارة إلى أن جريمة قتل إمامٍ بسبب شتيمة، وقتل شابٍ من أجل مصباح السيارة، نماذج عجيبة للجرائم في كوردستان، إلى جانب الجرائم التي تُصيب المرء بالدهشة، ومثل هذه الجرائم لا تحدث في كوردستان فقط، بل حتى في الدول المتقدمة، ولكن الفرق بيننا وبينهم يكمن في ثقافة التعامل مع الجريمة، فثقافتنا في مواجهة الجرائم لا تُعطي ظهرها للقانون، بل على العكس، تضع القانون في خدمة الجريمة!.
سأعطي مثالاً في هذا السياق: قبل بضعة أعوام تم إقرار قانون “مكافحة العنف الأسري” في برلمان إقليم كوردستان، وهذا القانون كان خطوةً مهمةً جداً على مستوى الشرق الأوسط، ولكن كانت هناك الكثير من الشكاوي حول تطبيق هذه القوانين، ولاتزال هذه الشكاوي مستمرة.
ويكمن مصدر المشكلة في أن بعض القضاة لا يؤمنون بهذه القوانين، في الوقت الذي يجب فيه على أولئك القضاة تطبيقها.
“موظفو تطبيق القوانين”، يمارسون السلطة التنفيذية في كثير من الأحيان، سواء عن قصد أو بدون قصد، وهذا الأمر بالنسبة لتلك القوانين، لا يتناسب مع صرف رواتب لحمايتهم، خصوصاً في مثل هذه المشاكل الاجتماعية، حيث التعامل وفقاً للقانون والثقافة السائدة، فعدم سيادة القانون تُفقد ثقة المواطنين بالمسؤولين، كما أن المرأة هي أكبر ضحايا المجتمع فيما يتعلق بهذه الظاهرة.
الطريقة التي تعاملت بها الشرطة مع ملف هاتين الضحيتين، هي مثال صارخ عن العنف ضد المرأة التي تعتبر أساس المجتمع الكوردي ومؤسساته ومنظماته.
بعد الكشف عن جريمة قتل هذين اللاجئين، صرحت شرطة أربيل مباشرةً لوسائل الإعلام بالقول: “كشفت التحقيقات الأولية عن وجود مساعدين لمرتكب الجريمة، وأن الشائعات تشير إلى أن المرأة المقتولة ساعدت القاتل في الوصول إلى المنزل”.
انظروا إلى هذه الجريمة الكبيرة التي يُلصقونها بضحية الجريمة!، وهذا ليسَ كلام الأهالي في الشوارع والأسواق، بل إنه كلام (حماة القانون)، وحماة منازل وكرامة المواطنين، وهم يديرون ظهورهم للتحقيقات الأولية!.
كما يبدو من الاسم، إنها “تحقيقات أولية”، ولكن هذه التحقيقات الأولية لن تتغير، لقد ارتُكبت جريمة كبرى بحق إنسانين، لقد قُتلا، لذلك لا شيء يُمكن أن يُقال بعد هذه الجريمة.
السؤال المطروح هو: في الوقت الذي كانت فيه جثتي ضحيتين على الأرض، ما الذي جعل (حماة القانون) يخوضون موضوعاً كهذا؟، تُرى هل قال الشرطي المتورط بالجريمة شيئاً أثر على سير التحقيق، عندما ألصق تهمة كهذه بالضحايا؟، تُرى هل تصريحات الشرطة نابعة من واجباتها، أم هي انعكاس للسطوة الذكورية؟.
السطوة الذكورية هي الأفعال الأحادية الجانب من قبل شخص أو جماعة مقابل شخص أو جماعة أخرى، كما أنها تحريض لمشاعر الكراهية ضد الجنس الآخر.
بالنسبة للعقلية الذكورية، ولترسيخ العلاقات الأحادية داخل المجتمع، فإنها تعمل وفق آلية السطوة عندما يتم تعريف مجموعة أو شخص كعدو، فبالنسبة للسطوة الذكورية، فإن العدو هو “المرأة التي لا تُحب، أو التي لا تُخطب”، وهذا الأمر يُفرض وفقاً للأخلاق الذكورية داخل المجتمع، إلا أن شرعيته وكرامته داخل المجتمع تواجهان التساؤلات.
في حادثة قتل الرجل والمرأة من أبناء مدينة عفرين، فإن بيان الشرطة كشف لنا الكثير من الاشياء المتعلقة بالقانون، ففي البداية تحدث قائد الشرطة بكلام غير مفهوم، وأنه كان هناك تعاون للوصول إلى المتهم، وشكل تلك الكلمات غيرُ مألوف في قواميسنا الشرقية، فمن كان متعاوناً؟، وكيف تعاون؟، ولماذا أصبح متعاوناً؟.
هذا الكلام الغامض يثير الشكّ والريبة في نفوس الآخرين، كما يتيح الفرضة لكل شخص بأن يتعامل مع المسألة بحسب طريقته، وهو ما يفضي إلى نتيجة أمام آلية الشائعات، فالشرطة تقول شيئاً لم يتم تأكيده بعد، وبالتأكيد فإن النساء والفتيات في مجتمعنا يصبحن ضحايا هذه الشائعات أو هذا الكلام غير المؤكد، وتُهدر دمائهن، وتطال أيادي أقربائِهنّ أرواحَهُن.
لقد تم الكشف عن كافة تفاصيل الجريمة في اليوم الأول من وقوعها، والشرطة لم تصبر أبداً، وقالت إن “الشائعات تفيد بأن المرأة كانت سبباً في وصول القاتل إلى المنزل”، والمقصود بالمرأة هنا “تلك المرأة التي أصبحت ضحية للتو”، وبالتالي لا يمكنها الدفاع عن كرامتها أمام هذه الجريمة الكبرى.
في هذا السياق هناك ثلاث نقاط يجب أخذها بعين الاعتبار
النقطة الأولى: القاتل المذنب يستطيع ارتكاب جريمة كبرى كهذه، ولكنه بعد ذلك يستطيع قول أي شيء لتبرئة نفسه من هذه الجريمة، وأن يكشف عن شركاء له في جريمته، ففي أي مكان في العالم يتم الإدلاء بمثل هذه التصريحات مباشرةً، خلال التحقيقات المتعلقة بجريمة بهذا الحجم؟.
النقطة الثانية: تُظهر غرفة النوم للضحيتين بأن مستوى معيشتهما أعلى من مستوى حياة اللاجئين في المخيمات، حسناً، من يمكنه إثبات أن القاتل لم يدخل ذلك المنزل بهدف السرقة؟، وهل يُغير سببُ ذهاب القاتل إلى المنزل، شيئاً من الجريمة؟، أي قانون يعطي الحق للشرطة بالإهمال، وحرق صور القاتل والضحايا؟.
النقطة الثالثة: عندما تقول الشرطة، وبمنتهى الإهمال: بحسب المعلومات غير المؤكدة، وتجعل من امرأةً ضحيةً بالخطأ شريكةً للجريمة، فإن على السيد قائد الشرطة أن يعلم أكثر منا جميعاً، أنه في مجتمعاتنا الذكورية حين تفتح امرأة متزوجة الباب لرجل غريب، فإنها تفتح على نفسها أبواب جحيم المجتمع بدون مقدمات أو أسئلة.
وهناك تُهم أقل من هذه التهمة من شأنها أن تنال من كرامة المرأة في مجتمعنا، وحتى إن لم تَمت، فستبقى مُطأطئةَ الرأس تواجهة اللعنة داخل مجتمعها.
لا أعلم ماذا حلَّ بعائلة وأقارب اللاجئَين الضحيتَين، ولكن بلا شك يمكن أن تُصبح تصريحات قائد الشرطة سبباً لفتنة كبيرة بين عائلتي الضحيتين، كما يمكن أن تصبح سبباً لإراقة المزيد من الدماء، وإطالة سلسلة الجريمة والإجرام.
في بيئة يُخاطب فيها (رجال تطبيق القانون) المتهمين والمجرمين بهذه الطريقة، فلا عجب في أن الضحايا الأحياء والأموات لا يمكنهم رفع رؤوسهم بسهولة وبشكل متساوٍ.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية
