مارس 29, 2024

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

الأخبار الكاذبة بعد الحرب.. ديسكو وقناصة روسية في الموصل

الأخبار الكاذبة بعد الحرب.. ديسكو وقناصة روسية في الموصل

تقول الحكمة الشهيرة “بعد الحرب يتكاثر الأبطال”، ولكن في عصر الانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي، هذه الحكمة أصبحت “بعد الحرب تتكاثر الأخبار الكاذبة”، وتعد معركة الموصل التي وضعت أوزارها قبل أيام مثالا على ذلك.
مع انتهاء معركة الموصل بإعلان رئيس الوزراء حيدر العبادي في العاشر من الشهر الحالي الانتصار على “داعش” بعد تسعة اشهر من القتال العنيف، انتشرت عشرات الأخبار الكاذبة في وسائل إعلام محلية وعربية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي تفاعل معها آلاف العراقيين وصدقوها حتى أصبحت حديث الشارع.
عندما انطلقت معركة الموصل في 17 تشرين الاول (اكتوبر) من العام الماضي تهيأت قيادة الجيش إلى هذا الحدث إعلاميا، واكدت ان التصريحات الرسمية محصورة بقيادة “عمليات نينوى”، وطالبت وسائل الإعلام بالتأكد من المعلومات عبر الجهات الرسمية خشية انتشار الشائعات كما حصل في معارك سابقة في الفلوجة وتكريت وغيرها من المعارك.
إلا أن السيطرة على آلاف الأخبار المنشورة وعلى مدار الساعة كان مهمة مستحيلة، خصوصا وان غالبية العراقيين أصبحوا يعتمدون على مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا “فيسبوك” للحصول على الاخبار، بدلا عن وسائل الإعلام التقليدية كالقنوات التلفزيونية والصحف والوكالات الإخبارية.

قناصة روسية
بعد انتهاء معركة الموصل بدأ الجيش عمليات تمشيط في المدينة بحثا عن جيوب “داعش”، وخلال هذه الفترة انتشر خبر مفاده ان القوات الامنية اعتقلت قناصة روسية تعمل مع “داعش”، مئات المنشورات على “فيسبوك” ووسائل إعلام محلية وعربية نشرت الخبر مع صورة فتاة بيضاء في العشرين من عمرها.
بعد أيام قليلة انتشر خبر آخر ادعى أن القناصة الروسية ليست سوى فتاة ايزيدية اسمها نضال اختطفها التنظيم المتشدد عندما هاجم مدينة سنجار في صيف 2014 مع آلاف الفتيات الايزيديات واعتبرهن سبايا وتم عرضهن للبيع.
صفحات عامة على “فيسبوك” نشرت خبرا تضمن وثائق رسمية تشير إلى أن نضال ايزيدية مع صور للفتاة عندما كانت اصغر في السن مع عائلتها، بعدها انشغل العراقيون على تأكيد ان الفتاة ايزيدية وعرضوا على صفحاتهم الشخصية صور ووثائق نضال، ولكن حتى هذا الخبر تبين انه كاذب.
الأحد الماضي حسمت النائبة الايزيدية في البرلمان العراقي فيان دخيل الجدل الشعبي، وأعلنت عبر حسابها الرسمي على “تويتر” أن الفتاة التي القي القبض عليها ليست روسية او إيزيدية، وإنما هي فتاة ألمانية من برلين تتكلم الألمانية ومتزوجة من مقاتل شيشاني في “داعش”.
وعلى الرغم من ظهور حقيقة هذه الفتاة إلا أن وسائل الإعلام التي نشرت الخبر الكاذب ومواقع التواصل الاجتماعي لم تحذف الخبر او تقوم بتعديله والاعتذار عنه.

ديسكو في الموصل
ابرز الاخبار الكاذبة التي انتشرت بعد ساعات على اعلان تحرير الموصل هو افتتاح ديسكو في المدينة، وسرعان ما انتشر الخبر بين العراقيين حتى اصبح حديث الساعة، وانشغل العراقيون في نقاشات على مواقع التواصل بالتحليل والترحيب، بعضهم قال إنها خطوة جيدة أفضل من افتتاح الجوامع، برغم ان الخبر كاذب، كما ان بعض العراقيين شككوا في الموضوع.
وبعد التدقيق في الصورة المرفقة مع الخبر تبين أنها لديسكو في ولاية اريزونا في الولايات المتحدة الاميركية.
تعلّق معاون عميد كلية الإعلام في جامعة بغداد إرادة الجبوري على أسباب انتشار هذه الإخبار الكاذبة، وتقول في حديث مع “نقاش”: “انتشار الاخبار الكاذبة في اوقات الازمات ظاهرة عالمية، ولكن هنا في العراق أكثر انتشارا، احد أسبابها لا يوجد حارس على بوابات مواقع التواصل الاجتماعي، ويستطيع اي شخص انشاء صفحات ونشر ما يريد دون خوف من القانون، الجمهور يصدق الأخبار بسبب قلة الوعي”.
وتضيف الجبوري سببا آخر “نحن شعوب عاطفية بعيدة عن العقل والمنطق ونبحث عن الأخبار التي تتوافق مع رغباتنا وتوجهاتنا الاجتماعية او السياسية”، ولهذا يستغل البعض ذلك ويقوم بنشر اخبار تؤثر على مشاعر الجمهور، ومثلا فان ترقب العراقيين لمعركة الموصل يجعلهم يبحثون عن اخبار ترضي رغباتهم، مثلا اعتقال عناصر “داعش”، وقصص عن الجنود هناك.
قبل أشهر قررت إدارة كلية الإعلام إضافة مادة دراسية جديدة للطلبة حول التحقق الرقمي من الأخبار بعدما أصبحت الأخبار الكاذبة تؤثر على الصحفيين أنفسهم، وفقا للجبوري.
الجبوري تتهم جهات سياسية بالوقوف وراء الاخبار الكاذبة، وتقول “غالبا ما نشاهد صفحات مموّلة المصدر تنشر العشرات من الأخبار ومقاطع الفيديو والصور في أوقات معينة في المعارك او الخلافات السياسية، وتطور الأمر حتى اصبح الصراع يجري عبر جيوش الكترونية”.

اعترافات تحت التعذيب
أكثر المشاهد انتشارا تلك التي اظهرت قوات الامن العراقية وهم يعتقلون أشخاصا مشتبه بأنهم اعضاء في “داعش”، في اغلب المقاطع يظهر مجموعة من قوات الأمن وهم يحيطون بشخص واحد او مجموعة اشخاص ويقومون باستجوابه تحت الضرب والسب والشتم.
وتسربت هذه المشاهد عبر كاميرات هواتف الجنود ونشروها على صفحاتهم الشخصية او قاموا بارسالها الى زملاء لهم لنشرها في صفحات عامة لها انتشار واسع بين العراقيين.
احد هذه المقاطع يظهر مجموعة من الجنود وهم يحيطون برجل معصوب العين ويتم استجوابه، بينما يتحدث الرجل عن علاقة عمل تجمعه مع النائبة في البرلمان عن الموصل جميلة العبيدي وسرعان ما صدق العراقيون ذلك واتهموا النائبة بالإرهاب.
كما انتشرت صور على مواقع التواصل مرفقة مع تعليق يقول إن قوات الأمن العراقية تعتقل عنصرا في “داعش” كان مختبئا في مجاري الصرف الصحي، وتشير الصور الى رجل كبير في السن وضع حول جسده حزام ويقوم احد الجنود بسحبه.
وهناك العشرات من مقاطع الفيديو الأخرى انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر جنودا عراقيين وهم يحيطون بشخص او مجموعة اشخاص على أنهم أعضاء في “داعش” ويبدو بعضهم وقد تعرض للضرب والتعذيب.
العقيد في الجيش العراقي احسان الجابري المسؤول عن كتابة الموقف العسكري اليومي لوحدته العسكرية، يقول لـ “نقاش” ان “جميع الأخبار المنشورة في وسائل الإعلام او مواقع التواصل الاجتماعي بدون مصادر رسمية صريحة لا نتحمل مسؤوليتها، حتى الأخبار التي تتحدث عن انتصارات القوات الأمنية”.
الجابري قال ان العديد من الاخبار المنشورة خلال معركة الموصل وما بعدها أثرت سلبا على المعركة، “هناك وسائل إعلام اعلنت الانتصار في الموصل بينما المعارك كانت لا تزال مستمرة، وهناك الكثير من الاخبار الاخرى بعضها يقصد دعم القوات الأمنية ولكنها في الواقع تضرنا”.
من بين الصور المثيرة، تلك التي انتشرت على شكل خبر يقول بان القوات الامنية اعتقلت عنصرا في داعش كان يعمل طبيبا، وارفق الخبر مع صورتين إحداها للرجل وهو يرتدي سترة الطبيب البيضاء، واخرى للشخص نفسه ويبدو ملتحيا مربوط اليدين، ولم تعرف حقيقة الخبر، ولم تعلن اي جهة رسمية صحة ذلك.
أما الاخبار المجهولة المصدر فكان لها صدى واسع بين العراقيين ومنها ان امرأة انتحارية تابعة لـ “داعش” حاولت تفجير نفسها على جنود عراقيين في الموصل تسللت بين النازحين، وارفق الخبر مع صورة لامرأة تحمل طفلا، ولم تعلن اي جهة رسمية عن صحة ذلك.

قوائم متطرفين على فيسبوك
أما أكثر الأخبار خطورة خلال معركة الموصل وبعد انتهائها، انتشار قوائم اسماء وصور لأشخاص على انهم اعضاء في “داعش”، وتقوم صفحات مجهولة تمتلك آلاف المتابعين بنشر اسماء اشخاص على انهم اعضاء في “داعش”، وتنال مئات المتابعات عبر الإعجاب والتعليقات المسيئة والمشاركة على الصفحات الشخصية، وهو ما يهدد حياة افراد بالقتل والاعتقال.
ولكن لماذا لا يقوم المسؤولون بالتعليق على هذه الأخبار المثيرة لتأكيدها او نفيها، ولماذا لا تتردد وسائل اعلام في نشرها على القنوات والصحف والوكالات الاخبارية، السبب كما يقول حسن كامل أستاذ كلية الاعلام في جامعة بغداد ضعف الجانب المهني للصحفيين.
ويقول كامل لـ “نقاش” إن “المشكلة مركبة، عندما يرفض المسؤولون الرسميون كشف جميع الحقائق للاعلام والجمهور وفق مبدأ حق الحصول على المعلومة خصوصا في شأن القضايا التي تثير اهتمام الجمهور، ذلك يعطي فرصة ثمينة لمواقع التواصل الاجتماعي لنشر إخبار كاذبة”.
ويضيف كامل بالقول “هناك حاجة لزيادة الوعي المهني لوسائل الإعلام واستيعاب أن الواجب الأساسي لها هو كشف الحقائق، ولكن بسبب تبعية غالبية وسائل الاعلام الى الأحزاب فإنها لا تكترث بالمهنية وإنما تولي الاهتمام للأخبار التي تتوافق وتوجهات وأهداف الأحزاب التي تمولها”.
هذه العينة من الاخبار والصور ومقاطع الفيديو انتشرت بدون مصادر رسمية وهناك المئات منها، صدقها العراقيون واصبحت مادة دسمة لحوارات طويلة على مواقع التواصل لم تخل من تبادل الشتائم والتهديدات وعبارات الكراهية حتى اصبحت تشكل خطرا على السلم والامن المجتمعي في العراق.

ـ نقلا عن نقاش

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi