أبريل 25, 2024

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

عبدالكريم الساعدي‬: عذراء شنكَال

عبدالكريم الساعدي‬abdulkarim-alsaedi-2

عذراء شنكَال
 
    توكّأت على صمت الريح، تستفزّها النخوة، تثيرها مواجع الخديعة، العتمة تحمل صراخاً موجعاً، كانت تبدو مثل فراشة تنشد وهج الحرائق، تساير طريقاً يلهث بالمسافات، يمتدّ أسى من عينيها حتى سوق (عبيد الجنس)، تتقافز أسئلة ومخاوف من النهايات، متاهات تشهق بالمجهول، صوت يجزّ صمت الشفاه:
– من أين سنبدأ؟
– من المخيم.
النداء يمتدّ، يقصف سمعها، يمازج دعاء مرتجفاً بصقيع السواد، يغفو على أسمال، ضاجعتها / مزقّتها مخالب الغدر، لازالت تشدو خوفاً:
– من يضيء أشلائي الراقدة على رماد الذبول؟
كم عذّبها النداء، ترتجف أناملها الناعمة فوق أسطر من دمع شلّالاً ينفض غبار السكون:
– ابنتي، سأسفح نشوتي على قارعة الهجير، أرتدي عبق المغامرة؛ فأمسح دمعك هناك، في الأصقاع النائية.
تيمّمت زمناً تكدّر فيه الصفاء، تستقي من وجه الصباح دثاراً لخطواتها، وتمضي على جمر الفجيعة، أرامل فقدنَ وهج المواقد، زوجات يربكهنّ اللقاء، فتيات بعمر الورد، يترجّل الدمع من عيونهنّ، يمازج عشب القرى، يتلو وجد القلوب الكسيرة. تهرّأت آخر الخطوات حين لاح المخيّم عن بعد، تتوقف دكتورة ثناء، تحبس أنفاسها، يصدمها الصدى، صدى صراخ جسد فرّت أشلاؤه بين أنصال حادّة، تبحث عن آخر الخطى، الطريق ملبّد بالوحل، يئن بأنفاس ثكلى، تتقافز على جانبيه أطفال، يرتدون البرد جلباباً؛ فيرتسم الدمع سلاماً على خدّيها، تبتلع رضاب الترقب، يلفحها سموم الجواب:
– هناك، في تلك خيمة.
ما زالت الخطوات عليلة، ينبجس من تحتها ينبوع حنين، تذري لهفة للعناق، يخزها القرب، يشرأب باب الخيمة خجلاً:
– دعوني وحدي.
يخرس المسير عند العتبة، تمدّ يدها، تزيح طرف الخيمة جانباً، يطالعها وجه ماريا، وجه ذابت ملامحه، عيناها تبرقان حزناً، تتوهان في مهبّ الخجل، تلقي نفسها في أحضان ثناء، تدسّ أنفها بين ثنايا الصدر، تنفض بقايا حشرجة، ينسج الخواء خيوط الإحباط، يتفجّر خوفها، تغوص في ركام من قلق. تمسح ثناء رأسها، تكفكف دمعها:
– لا عليك، أنت بين أهلك، ارفعي رأسك.
– لقد أفسد الزمن رقّتي، هتك أستار معبدي.
تتجه صوب نافذة الخيمة، تمدّ رأسها، لا أحد، تفتح سرّها بحذر، تهرول ناحية الأمس، تجلدها سياط التذكر:
– كنت وسعيد يتخطّفنا الشوق، نراقص أحلامنا البريئة، نغرق في دفء الهمس، فرحين، تغازل خطانا الدروب…
تجهش بالبكاء، تفيض عيناها دمعاً، ترتجف خوفاً، تصرعها صور مرعبة، صور تقهقه بالقتل:
– لقد نحروا سعيداً عند منعطف جنوني، كان ينزف ورداً أحمر، أحرقوا قريتنا، ساقونا جواري لأسيادهم، وتبدأ رحلة موتنا، وطأتنا وجوهاً كالحة، كنّا فرائس العمى، تسري بنا شهواتهم ليل نهار، لا يعرفون غير مفارق الأرداف، وانفراج السيقان، نستحمّ في موج مائهم، يباغتنا حضورهم كلّ ليلة في جداول معلّقة على كتف الأيام، ولمّا قطفنا الاحتضار باعونا في سوق العبيد. تطأطئ رأسها، تكتم شهقة، تختنق بدموعها:
– لا تبكِ، حبيبتي، سينالون جزاءهم.
تخزها نوبة هلع، تلطم وجهها، تتعثّر بانطفاء بكارتها، تتقاذفها الظنون:
– لكنّي أخشى الفضيخة.
تتوهج ثناء حناناً، تضمها بين ذراعيها، تحنو عليها، تجفّف دمعها:
– لم يكن الأمر بيدك، لست الملومة على ما جرى.
تطوقها اللوعة، يخزها العطب، ترتعد، أسئلة حائرة تنفلت من شفة قنوطها، تنغرز في عيني ثناء دهشة:
– ولكن، من يعيد لي سعيداً، وأحلامي المذبوحة على دكّة الفجيعة؟ ومن يضيء أشلائي الراقدة على رماد الذبول؟ وكيف سأقابل أبي؟
تلطم وجهها ثانية، تخمش خدّيها، تمزّق ما تبقّى من أسمالها، يتعالى صريخها، تتشظّى، تنتابها نوبة جنون، تسقط بين يدي ثناء مغشيّاً عليها. تخرس دقات الساعة، تتقوقع ثناء في لجة الغياب، تتأمل وحشة المكان، يحاصرها الانتظار، تهزّها أحلام ماريا النافرة، وصراخ سعيد، تنعدم الرؤية، تفقد خطواتها في عتمة الأوهام، تتطاير، تحلّق في دوائر مغلقة، تهبط على انفراج وعي ماريا:
– سلامات، حبيبتي ماريا.
تحدّق في الفراغ، تتجاهل الحضور، يتوقف البصر عند ملامح ثناء، تبتسم، تهمس في أذنها:
– أ تعلمين سيدتي أنّي لا أخشى حرب القبائل.
– ولا أنا.
تلتفت هامسة:
– أريد أن أسرّك بأمر لا يعرفه أحد، فهل تصدّقيني؟
– نعم حبيبتي، سأصدّقك.
– أنا ماريا، لازلتُ عذراء.

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi