مارس 28, 2024

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

فوزي الاتروشي: وداعا ً اسطورة الغناء الشحرورة صباح

وداعا ً اسطورة الغناء الشحرورة صباح

فوزي الاتروشي

وكيل وزارة الثقافة

واخيراً غيب الموت الفنانة الشحرورة صباح اسطورة الغناء في لبنان ليسقط بذلك احد صروح بعلبك, وودعتنا عن عمر ناهز الـ (87) عام بعد ان اتحفتنا بكم هائل من اﻻغاني الجميلة المتميزة بلغ عدد ها (3000) اغنية علاوة على (83) فلماً و (27) مسرحية وحياة حافلة بالنشاط والحيوية والنجاح حتى الرمق اﻻخير.
صباح التي تتلمذت في البداية على يد الملحن العظيم (رياض السنباطي) وملأ حضورها اﻻخضر مهرجانات بعلبك وجبيل وبيت الدين كانت على قناعة ان العمر الحقيقي هو عدد اﻻنجازات التي يراكمها اﻻنسان وليس عدد السنين وتعاقبها. لذلك كانت دائما تردد (اتمنى اذا خسرت ثروتي ان ﻻ اخسر جمالي واناقتي) وهذا بالضبط ما تحقق في عمرها المديد فقد خسرت الثروة المادية بالكامل في اواخر أيامها لكنها لم تخسر الجمال واﻻناقة والحيوية وحب الناس كل الناس لها , فقد اصبحت ملكة القلوب بامتياز وهذه ارفع منزلة واكبر ثروة للانسان. واﻻهم انها ستبقى عشرات السنين القادمة متعايشة معنا ونحن نحب ونشتاق ونعشق ونمتلئ فرحاً او حزناً في لحظات اللقاء والوداع والوصال والفراق و اﻻبتسام او التجهم.

انها رفيقة صبانا و شبابنا عنفوان حياتنا و مثلت لنا ولأحلامنا الميناء الذي اذا بلغناه اصبحنا في الملاذ الآمن والشاطئ الهادئ .

الم يقل نزار قباني:

انا السندباد يمضغني البحر
وعينا حبيبتي الميناء

 

فأغاني هذه اﻻسطورة كم اشعرتنا باﻻمان في لحظات الخوف وبالفرح في لحظات الحرج وباﻻمل حين يعصف بنا اليأس. وفاة صباح وطريقة التعامل اللبناني المتحضر مع الحدث ابهرني وأكد مجدداً قدرة لبنان هذا البلد الصغير بمساحته والكبير جدا بدوره الفني الثقافي اﻻدبي الفكري على ان يكون متميزاً في تقدير مبدعيه رغم قلة موارده. انه فعلا سويسرا الشرق وفضاء الحرية اﻻكبر في المنطقة وبالتالي المجتمع اﻻكثر تحضراً وديمقراطية.

في العراق المشهد على منوال آخر فما زالت النظرة للفن والفنان اسيرة القوالب العشائرية والتقاليد اﻻجتماعية التي اكل الدهر عليها وشرب حتى شبع. وبعد التغيير في عام 2003 ازداد المشهد سواداً وعتمة مع دخول بعض رجال الدين على خط تحريم الغناء والموسيقى والسينما
والرقص والنحت بحجج واهية، أوهى من بيت العنكبوت ودون دليل عقلي او علمي واستناداً الى مرويات قادمة من دهاليز الماضي.

ان استنساخ الماضي عملية مستحيلة فالحياة متطورة متغيرة وسريعة الجريان خاصة في عالم القرن الواحد والعشرين حيث للزمان وللمكان مفهوم  وتعريف جديد بفضل ثورة اﻻتصاﻻت.
الم يذكر القول اليوناني الفلسفي القديم “ان المرء ﻻ يضع قدميه في نفس النهر مرتين “.
فهل يستوعب بعض فقهاء التنكر للفن وتحريمهم لكل مصادر الجمال هذه الحقيقة الواضحة وضوح الشمس.؟
اتذكر حين رحلت الفنانة القديرة وفاتنة بغداد (عفيفة اسكندر) لم يكن خلف نعشها اي مسؤول ولم يرافقها الى مثواها اﻻخير سوى بعض اصدقائها وعدد من الفنانين، وكان كاتب هذه السطور هو الوحيد الذي وضع باقة ورد على ضريحها. هذا بعكس الشعب اللبناني الذي يبدي قدراً كبيراً من الحب والوفاء تجاه فنانيه. علماً ان الفارق بين ثروة العراق ولبنان مثل الفارق بين الثرى والثريا.

وفي الجزائر حيث نزورها حالياً للمشاركة في المهرجان الثقافي (الهندي- العربي) نجد ثمة اجماع على حب الجزائريين للروائية الكبيرة (احلام مستغانمي) ابنة مدينة (قسنطينة) التي اختيرت لتكون عاصمة الثقافة العربية لعام 2015 وبعض رواياتها طبعت عشرين مرة ورغم ذلك يتم منع كتبها من المشاركة في بعض معارض الكتب المقامة في العراق بحجج وذرائع خارج العقل والمنطق.
تحية حب وتقدير لأسطورة الغناء التي منحتنا اكبر قدر من المتعة والفرح والتفاؤل والجمال وظلت طلة حياتها مشروع عمل وتضحية من اجل اﻻخرين .

 

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi