أبريل 20, 2024

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

لجنة الدراسات والبحوث في مركز لالش: حول الانتماء القومي و الخصوصية الدينية..

حول الانتماء القومي و الخصوصية الدينية للأيزيديين

لجنة الدراسات والبحوث في مركز لالش الثقافي و الاجتماعي

يعرف مفهوم القومية بأنه صلة اجتماعية عاطفية تنشأ من الاشتراك في الوطن و اللغة ووحدة التاريخ والأهداف السياسية، أو هو الاعتقاد السائد لدى الشعب في انه يشكل جماعة متميزة ذات سمات خاصة تميزه عن الآخرين، وإذا أخذنا كل هذه الروابط وقارنها مع ما هو موجود لدى الكورد باعتبارهم قومية مستقلة بين عدد من القوميات الشرقية والأيزيديين باعتبارهم ديانة عريقة، يظهر لنا وجود كل هذه الروابط المشتركة بين الأيزيديين والكورد المنتمين إلى الأديان الأخرى، وبأنهم يشكلون قومية واحدة مع الاختلاف في الاعتقاد الديني .

وبالاستناد إلى العديد من المصادر العلمية فأن الأيزيديون يعتبرون من أقدم المكونات الدينية في ميسوبوتاميا، ونشأت و تطورت مبادئهم الدينية في كوردستان منذ آلاف السنين، وتستند ميثولوجيا ديانتهم وطريقة أداء طقوسهم الدينية على العناصر والظواهر الطبيعية و لاجتماعية الموجودة فيها ، بل ويقول احد كتاب الكورد أن: الأيزيديون كرد مثلنا وقد حافظوا على دمائهم أكثر منا، أنهم يعدون أنفسهم الكرد الأقحاح. ويذكر أن المعبد الديني الرئيسي والوحيد للأيزيديين يقع جغرافياً ضمن كوردستان وهو بمثابة قبلة لهم ويحجون إليه سنوياً من سائر البلاد الموجودين فيها.

وهناك إجماع بين عدد كبير من المؤرخين الكورد و العرب والمستشرقين و الباحثين الأجانب حول مسألة الأصالة العرقية للأيزيديين، ولعل الإشارة إلى بعض تلك الآراء والنظريات قد تبين مدى أصالة وجود الأيزيديين في كوردستان وانتمائهم القومي الكوردي الأصيل وقد تدحض تلك الآراء والأقاويل تلك التي تناقضها، ومن الضروري جداً الانتباه إلى أمر هام ألا وهو إن معظم هؤلاء المستشرقين الأوربيين قد عبروا عن رأيهم بهذا الخصوص بحيادية كبيرة وموضوعية علمية واضحة، لأن ليس لديهم غرض لتغير الهوية القومية للكورد الأيزيديين عكس ذالك التوجه الموجود لدى بعض الأشخاص والأطراف التي تحاول اختراع قومية خاصة للأيزيديين دون الاستناد إلى أدلة تاريخية وعلمية واضحة لإثبات نظرياتهم من اجل أهداف لا تصب في خدمة المجتمع الأيزيدي وتاريخه ووجوده على أرضه منذ آلاف السنين .

وهنا لابد من الإشارة أولا إلى بعض الآراء والنظريات للمستشرقين والباحثين الأجانب باعتبارهم الطرف الثالث و الحيادي في الموضوع ، فمثلاً يؤكد جورج بيرسي بادجر ( وهو مبشر ورحالة بريطاني مكث بين الأيزيديين عدة أشهر خلال عام 1850 )، بأن الأيزيديين دون شك جزء من الكورد ولغتهم الأساسية هي اللغة الكوردية ، ويؤيده في هذا التوجه المستشرق البريطاني وليام أينسورث الذي زار مناطق الأيزيديين في جنوب كوردستان عام 1838 بقوله : أن تسمية هذه الطائفة المميزة من الكورد مشتقة من كلمة يزد الفارسية، أما الدبلوماسية البريطانية الشهيرة ( مس بيل ) فقد توصلت إلى قناعة تامة بان الأيزيديين هم من الكورد ولا يختلفون عنهم من حيث العادات والتقاليد والملبس وحتى من الناحية الجسمانية .

وفي السياق نفسه يعبر مارك سايكس ( الدبلوماسي البريطاني ) في كتابه المسمى ( القبائل الكوردية في الإمبراطورية العثمانية ) عن رأيه حول الأصل الكوردي للأيزيديين بوضوح حيث يقول: لاشك أن هؤلاء اليزيدية أكراد أقحاح، وليس هذا من الوجهة اللغوية فقط ، بل أن أجسامهم وسائر مظاهرهم الخارجية تشبه تمام الشبه أكراد جبل ديرسم الشهير، وبتأكيد مؤرخ أخر فأن أيزيدية جبل سنجار هم كورد أقحاح، ويقول البارون الدكتور مكس فون أوبنهايم الألماني أنهم كورد أشداء البنية .

كما ورد أشارات مهمة حول مسألة الانتماء الأيزيديين إلى العرق الكوردي في تقرير لجنة تقصي الحقائق التي أرسلتها عصبة الأمم إلى العراق عام 1925 لحل مشكلة الموصل التي كانت مسار خلاف بين دولة العراق الحديثة والجمهورية التركية، حيث وصلت اللجنة إلى أن محل ظهور الأيزيديين ونشأتهم هي كوردستان، تلك البلاد التي يسكنها الكورد منذ القدم وان جميع مناطق سكناهم هي داخلة ضمن أراضي كوردستان ، وأضافت التقرير أن الأيزيديين يتكلمون الكوردية ويتعبدون بها .

وكان الأيزيديين و مناطق سكناهم في كوردستان وطبيعة مجتمعهم وتعاليمهم الدينية مثار اهتمام وإعجاب العديد من المؤرخين و الباحثين الأجانب، وفي هذا الخصوص عثر على وثيقة مكتوبة باللغة الفرنسية لرحالة أجنبي زار كوردستان حوالي عام 1670 ومن خلال ثنايا تحدث عن الكورد وقسمهم إلى قسمين الكورد المسلمين و الكورد الأيزيديين ، وأيضا سمى الأيزيديين بالداسنيين ووصفهم بالأشداء والأقوياء في الحروب ومحاربة أعدائهم، وهذا ما ورد لدى مستشرق فرنسي أخر وهو ( جان سبيرو ) حيث يقول أن الداسنية هي ملة كوردية ونعني بها سكان داسن الذين يعيشون على ارض كوردستان .

ومن الباحثين الأوربيين الآخرين أيضآ و الذين يؤكدون على الهوية الكوردية للأيزيديين ، باسيل نيكتين وفلاديمير مينورسكي و بيوتر ليرخ وهؤلاء يعتبرون من عمالقة الإستشراق الروسي السوفيتي ولهم عشرات الأبحاث العلمية الرصينة عن التاريخ و المجتمع الكوردي ، حيث يؤكدون على الانتماء العرقي للكورد الأيزيديين, كما ويؤكد الباحث في شؤون الشرق جرنوث فيسنر في مقالته الموسومة ( تاريخ الشعب الايزيدي وديانته ) بوضوح انتمائهم إلى مجموعة الشعب الكوردي التي تتكون من اكبر الشعوب الشمالية الغربية الايرانية .

أما بالنسبة للمؤرخين والباحثين العرب وبالرغم من أن بعضهم ألصقوا بالأيزيدية تهم عديدة كمسألة نسبهم إلى يزيد بن معاوية وإنهم يزيديون و ليس أيزيديون ، إلا إن معظمهم يشيرون إلى الأصل الكوردي للأيزيديين ، ومنهم الشهرستاني صاحب كتاب ( الملل و النحل ) إذ يشير إلى أن اليزيدية طائفة ينتمي معظمها إلى الجنس الكوردي ، كما ورد في مخطوطة منسوبة لكوركيس عواد وأيضا في مقال للكاتب عبدالرحمن بدران المنشورة في مجلة الجنان عام 1876، بان جنسية الأيزيديين كوردية ولسانهم لسان الكورد وإنهم لا يعرفون لغة غير الكوردية، وان عوائدهم واحدة في الأفراح والأتراح والمأكل و الملبس والمشرب، وكذلك ورد في مخطوطة لأنستانس ماري الكرملي حول أصل الأيزيديين ما نصه: وقد عد المؤرخون الأقدمون هذا الملة من القبائل الكوردية الخمس الأصلية مع تمييز الفروق الموجودة فيما بينها وهي فروق بينة واضحة تمييزها عن سائر السلالات الأصلية المتواجدة هناك .

وعرف الكاتب العراقي طه الهاشمي أيزيدية الشيخان بالداسنيين ، و الداسنيون هم الكورد الذين كانوا يتواجدون في جبال داسن، وهذا ما تؤكده المصادر التاريخية حيث جاء في معجم البلدان: داسن أسم جبل عظيم في شمال الموصل، من جانب دجلة الشرقي فيه خلق كثير من طوائف الأكراد يقال لهم الداسنية .

وفي معرض رده على بعض من الكتاب الذين ينكرون القومية الكوردية للأيزيديين، يقول الكاتب العراقي والباحث في شؤون الأيزيدية زهير كاظم عبود: أن مثل هذه الادعاءات هي محاولات لطمس حقيقة الأيزيديين ومحاولة لزرع بذور التشكيك كوسيلة من وسائل الطعن بالديانة الأيزيدية وبانتمائهم العرقي الكوردي، كما أن مثل هذه الافتراض بحد ذاته يعوزه المنطق التاريخي و الديني والقبول العقلي و المنهجي .

ونستنتج من كل ما سبق بأن الأيزيديين ينتمون إلى العنصر الكوردي وتقتصر عليه حصرا، ولكن من الناحية الدينية فأنهم يدينون بديانة تختلف عن ديانة غالبية الكورد في كوردستان، وهذه الحقيقية العلمية والتاريخية يدفعنا بأن نقف على الضد مما صرح به أمير الأيزيدية ( تحسين سعيد بك ) أثناء مقابلته التلفزيونية التي أثارت جدلا وعدم رضا بين الغالبية العظمى من الأيزيديين الذين يربطهم بكوردستانهم روابط تاريخية قديمة قدم ديانتهم ، ونحن كمجموعة من الباحثين المختصين بالتاريخ و الديانة الأيزيدية نرفض المساومة على هويتنا القومية وفق هذه المعطيات و الدلائل التاريخية والعلمية ، ونعتقد بأن ما صرح به الأمير لا يخدم قضيتنا الإنسانية ويتناقض مع الحقائق المتعلقة بهذا الموضوع ويتناقض أيضا مع رأيه الذي عبر عنه سابقا .

وهنا إذ نؤكد على الهوية الكوردية للأيزيديين إلا أننا في الوقت ذاته نعتبر الأيزيدية أقلية دينية في العراق و كوردستان وتختلف عن باقي الأديان الموجودة، ويجب الحفاظ على خصوصيتها الدينية وضمان حقوقهم الدستورية من الناحية السياسية و الاجتماعية والقانونية، ولاسيما في الوقت الحالي حيث يتعرضون الآن إلى أبشع جرائم الإبادة الجماعية على يد إرهاب الدولة المسمى بالتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تحت ستار الدين وراية الله اكبر، وعليه فان من الواجب الوطني والأخلاقي أن يقوم كلتا الحكومتين الكوردستانية أولا و العراقية ثانية بواجبهما في الدفاع عن أبناء هذه الديانة الأصيلة في العراق وحماية أرواحهم و ممتلكاتهم ومعتقداتهم الدينية كبقية المكونات القومية و الدينية في كوردستان و العراق ، وضرورة اطمئنانهم على مستقبلهم في أرضهم وعدم تكرار هذه الحملات الوحشية بحقهم وبحق مقدساتهم .

وكما لا يخفى إن محنتنا في هذه الأيام عصيبة جدا وأننا ننتظر بقلوب مليئة بالحزن وعيون دامعة تحرير نسائنا وأطفالنا من أيدي عصابات داعش التكفيرية، وليس لنا أمل سوى بأبطال البيشمركة والقيادة الكوردستانية لفعل ذالك وإرجاع كرامة شنكال المجروحة.

 

 

المصادر المعتمدة :-

1_ بيوتر ليرخ . دراسات حول الاكراد .( دمشق : 1996 ) .

2_ الشهرستاني . الملل والنحل . ( لبنان : 1970 ) .

3_ عدنان زيان فرحان . الكرد الايزيديون في اقليم كردستان . ( السليمانية : 2004 ) .

4_ أحمد سينو . الاكراد الايزيديون في العهد العثماني . ( دمشق : 2012 ) .

5_ طه الهاشمي . مفصل جغرافية العراق .( بغداد : 1920 ) .

6_ ارشد حمد محو . الايزيدون في كتب الرحالة البريطانيين . ( دهوك : 2011 ) .

7_ زهير كاظم عبود . اليزيدية . ( بيروت : 2011 ) .

8_ جرجيس فتح الله . يقظة الكورد . ( اربيل : 2004 ) .

9_ مارك سايكس . القبائل الكردية في الامبراطورية العثمانية . ( دهوك : 2003 ) .

 

 

 

 

 

 

 

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi